تحرير فلسطين مدنيا*: فلسطين التي نريد

الإثنين 09 أيار 2011

(3)

بقلم بشار حميض/ باحث في مجال المقاومة المدنية والطاقة البديلة

هناك بعض السحب المريبة في أفق المصالحة الفلسطينية التي عقدت في القاهرة الأسبوع الماضي جعلتني أعرج في هذا المقال على أمر سأتناوله مرة أخرى في المقالات القادمة، وهو: ما هي فلسطين التي نريد؟

لكن لنبدأ بالإيجابيات غير المريبة في المصالحة: لدينا تصريحات خالد مشعل حول أهمية الاتجاه إلى استراتيجية جديدة للمقاومة. كذلك تصريحات مصطفى البرغوثي الامين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، الذي كان له دور هام في تحقيق المصالحة، أن الاستراتيجية الجديدة ستكون المقاومة المدنية والشعبية. هو بلا شك أمر مهم جدا وخطوة في الاتجاه الصحيح.

لكن المقلق والمريب هو ما صرح به مشعل بأنه سيعطي المفاوضات مع إسرائيل فرصة أخرى وأن حركته تريد دولة فلسطينية في الضفة والقطاع فقط. وهنا أتسائل: كيف لحركة حماس أن تسقط تحرير فلسطين كاملة من أهدافها؟ هذه التصريحات ليست جديدة، والتأكيد عليها بهذا الوضوح كان بالتأكيد متفقا عليه ضمن المصالحة، وهو ربما من أجل تطمين المجتمع الدولي أو مواجهة عزلة محتملة للحكومة القادمة، لكنها على كل الأحوال تتناقض مع المعطيات الشعبية الجديدة في المنطقة، والتي يبدو أن أحزابنا التقليدية لم تدركها بعد.

إن علينا أن ندرك أن ما يحدث في الدول العربية من ثورات مدنية ضد دول بوليسية وشمولية وشبه ديمقراطية يعد حدثا تاريخيا، ليس على مستوى الوسائل فقط بل على مستوى الأهداف أيضا. وهنا يجب التذكير بأن ثورة المهاتما غاندي نفسها التي ألهمت ثورة جنوب أفريقيا والثورة ضد التمييز العنصري في الولايات المتحدة كانت باعتراف غاندي نفسه متأثرة بثورة 1919 في مصر والسودان والتي ركزت على الجانب السلمي والوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين. أي أننا كعرب وفلسطينيين يجب أن نعيد النظر في أهمية ما نفعله كنموذج مستقبلي للمنطقة والعالم.

إن ما يحدث الآن في العالم العربي هو تحول عميق باتجاه الدولة المدنية التي تعطي لكافة الأهالي حقوقهم، دون تمييز ديني أو إثني. فالأكراد يخرجون تضامنا مع درعا كما حمى الأقباط المسلمين في ميدان التحرير. ما يحدث هو أمر طالما سعت إسرائيل لمواجهته بدعمها للمطالب الإثنية والطائفية في العالم العربي، من أجل يصبح وجودها كدولة صهيونية طائفية مبررا ضمن منظومة دول طائفية حولها. ولطالما دعت إسرائيل الفلسطينيين والعرب إلى الاعتراف بـ”يهودية” إسرائيل، وهي بلا شك تود أن تتكون حولها دول ذات طابع ديني، حتى لو كانت هذه الدول عدائية بدرجات مختلفة لها، فهي تعيش من وراء هذه العداوة وتكتسب من خلالها وحدة داخلية بين أجزاء مجتمعها المتنافر.

إن الاعتراف بإسرائيل يعني الاعتراف بيهوديتها، لأنها دولة قائمة على حق اليهود بدولة وطنية وهذا أساس الصهيونية التي جمعت الدين والدولة ووضعت لهما ديكورا خارجيا يبدو علمانيا/ديمقراطيا لكنه ليس كذلك. وهذا هو أساس مشكلاتنا العديدة في الضفة أو القطاع أو الداخل أو الشتات. ولا يمكن أن نتخلص من هذه المشكلات إلا بإحداث ثورة ضد النظام الصهيوني على كامل أرض فلسطين. إن المقاومة المدنية تتيح لنا توسيع نطاق مقاومة الصهيونية من البحر إلى النهر، فلماذا إذن تحصرنا الفصائل الفلسطينية الحاكمة بمناطق الضفة والقطاع فقط؟ إن هذا يتناقض مع التوجه إلى المقاومة المدنية، فالقضية الفلسطينية كل لا يتجزأ، وهي تخص الشتات كما الداخل، والمسلم والمسيحي واليهودي غير الصهيوني أيضا، مثل جوليانو مير خميس  الذي ضحى بحياته في سبيل القضية الفلسطينية، وغيره الكثيرون من النشطاء من كل الأديان والعقائد المؤيدين لقضيتنا والذي خرجوا معنا في سفن الحرية إلى غزة.

لكي تكون ثورتنا في فلسطين ناجحة يجب أن تستلهم النموذج العربي الثوري القائم، ويجب أن نتخلص مما بقي من خطاب طائفي لدينا. فما تسعى له بعض الجهات من تحرير فلسطين تحت راية طائفية ما لن يجدي نفعا ويتناقض مع الإسلام نفسه، الذي تدور فيه الأحكام وجودا وعدما حول العدل. وليس من العدل أن نحرم أي مكون من مكونات المجتمع مع أي من حقوقه السياسية، وللدكتور محمد راتب النابلسي تأصيل فقهي مهم في موضوع الدولة المدنية في الإسلام (1).

إن حل الدولتين الذي يبدو مشعل وفصائل السلطة راضية به قد فشل تماما على الأرض، وحان الوقت للتفكير باتجاه آخر. إن فكرة “الدولة الواحدة لجميع مواطنيها” على كامل أرض فلسطين هي من الأفكار التي أراها أقرب إلى الواقع القائم على الأرض وإلى العدالة في نفس الوقت. فالقرى والبلدات الفلسطينية لا تزال ممتدة في كافة أرجاء فلسطين وكذلك المستوطنات والمدن ذات الأغلبية اليهودية منتشرة على كامل الأرض. لذا فإن المطالبة بدولة ديمقراطية مدنية وحق اللاجئين للعودة إليها يحقق العدالة لفلسطينيي 1948 و1967 والشتات، كما أنها تنفي فكرة إبعاد اليهود عن المعادلة، وبذلك لا تستطيع القوى الصهيونية المعادية لهذا المشروع التذرع بأن وجود اليهود مهدد بسبب الفلسطينيين. وليس مستبعدا أن تكتسب القضية الفلسطينية بسهولة دعما شعبيا دوليا، حيث أن فكرة تمتع جميع الناس بغض النظر عن دينهم بحقوق متساوية في بلد واحد هي فكرة متوافقة تماما مع مواثيق حقوق الإنسان الدولية ومع الواقع الذي يعيشه المواطنون في الدول الديمقراطية، وما تسعى له الشعوب العربية الآن. البعض سيقول أن الإسرائيلين لا يمكن أن يقبلوا بدولة مدنية حقيقية، ولكن من جهة أخرى هل سيقبلوا بدولة فلسطينية حقيقية على حدود 1967؟ وماذا إن فشل مشروع إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد؟ أو حتى إن تحقق هذا المشروع؟.هل هذا سيلغي حق اللاجئين للعودة إلى يافا وحيفا وكل المدن والقرى الفلسطينية الأخرى؟ لن يقبل أحد بهذا المنطق.

إن الذي يقود الثورات العربية اليوم ليست الأحزاب المعارضة التقليدية ولا تلك التي تمرغت بالسلطة، فهذه ليست المستقبل وإنما الماضي ولا يجب أن ننتظر منها أهدافا وطرقا للخلاص. فالأهداف والوسائل ستضعها القوى الجديدة الصاعدة، وهذه تريد تحرير فلسطين كاملة ولن ترضى بالحلول الجزئية بعد الآن.

———————————————————————————–
* هذه سلسلة مقالات منبثقة عن بحث حول استراتيجية للمقاومة المدنية لتحرير الإنسان على كامل أرض فلسطين. ستعالج المقالات بالترتيب المواضيع التالية: ماهية المقاومة المدنية وفلسفتها، العسكرة والمقاومة المدنية في التاريخ الفلسطيني، هل حان وقت المقاومة المدنية؟ فعالية المقاومة المدنية، أسس المقاومة المدنية في فلسطين، تمكين المقاومة بالثورة الخضراء والمدن والقرى المستقلة ذاتيا من حيث الطاقة والمياه والغذاء.

رابط للمقال الأول
رابط للمقال الثاني

————————–
هوامش:
خطبة للدكتور محمد راتب النابلسي

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية