بقلم ضياء اشتية
اصمتي يا فيروز!
في الأردن، وفي ساعات الصباح الباكر، يستيقظ الناس على هدير برامج إذاعية صارت رائجة منذ سنوات، يقلد بعضها بعضاً في المضمون والجوهر، وتحافظ على اختلافات طفيفة في الشكل والأغاني (أو الأناشيد كما يسميها آخرون) ، لغاية إعطاء الصبغة العامة لسياسة المحطة ومالكيها والفئة المستهدفة، مواطنٌ يتصل بالمذيع ليقدم مَظلمته، والأخير يتصرف بطريقته الخاصة ليحلّ المعضلة وفق اجتهاده الشخصيّ، ينافسون بذلك فيروز على ما تبقى لها من حصة في بدايات نهارنا.
ذلٌّ مُـتـفقٌ عليه – ضمنياً –
لم نعهد على الأردني أن يُـضحي يتسوّل حقوقه الخدميّة والمطلبية من خلال هاتف نقال، أو أن “يشحد” أرزاقه ومكتسباته مفضوحاً عبر الأثير، ويتوّسل مساعدة من موظفين مهملين، أو حتى أن يشكو تقصيراً صدر عن مسؤولين ومؤسسات كبكاء الطفل لوالده، أصبحنا نشكر الآخرين على واجبهم الذي يقبضون ثمنه من جيوبنا في آخر الشهر، نحن الأردنيون الذين اختلفنا في مفاهيم الهوية والمواطنة والمساواة واتحدنا كالأخوة في دفع الضرائب والرسوم للجباة، ليس بعزيز نفس ذاك الذي اعتاد على ثرثرة النفاق ومُـعلــّـقـات التملق وعبارات التزلــّـف والدّجل الإجتماعي والرقص على موسيقى الكذب التي تصدح بها أسطوانة مشروخة وضعت عليها كلمة “الولاء”، وتسويق ذلك كله يعد ذلاً مبطنٌاً ومتفقٌاً عليه يتناوله الأردنيون وجبة قبل فطورهم، ويتجرعون كأس الإهانة للنفس البشرية وإنسانيتها قبل فنجان قهوتهم.
لمن يروجون ثقافة الاستجداء وأصوات البسطاء المستضعفين المنبعثة من سماعة المذياع في أرجاء الوطن؟ ولمصلحة من ينخرون شجرة العزة والكبرياء وعفة النفس التي ورثها الأردنيون عن أجدادهم ومن تاريخهم؟ الأردنيون الذين باتوا يحمدون الله أن خط النجاة الساخن قد انتشلهم بعد أيام وأسابيع من محاولات بائسة كانوا يتضرعون خلالها بالدعاء كي يلتقطوا كلمة الترحيب على الجهة الأخرى من الخط، ويوجـّـهون حناجرهم وآذانهم إلى ديوان مظالمَ وهميّ يذكـّـرنا بما كنا عليه وكيف كانت تدار شؤوننا في العصور الغابرة، مع تحديث إجباريّ على الشكل؛ من قصائد ورسائل المدح التي يتلوها اللاهثون خلف عربة الوالي، إلى هاتف وقنوات أف أم ،،، إنها “عصرنة” التخلف.
الدور الرقابي المشوّه
لا يقتصر الأمر على هدر الكرامة المخزنة في دمائنا، بل يتعداها ليدقّ ناقوس خطر للخلل البنيوي الذي يصيب الأجهزة الرقابية الرسمية المعنية بمتابعة أداء المسؤولين والمؤسسات، فبسبب الترهل والمحسوبية والعجز والتواطؤ بين هذه الأجهزة الرقابية والدوائر المسؤولة عنها، صارت هذه البرامج الإذاعية الصاخبة هي المقياس للتفاني في العمل والإخلاص له، وهي المعيار الذي بناءً عليه توزع شهادات حسن السيرة والسلوك من جهة، والتشكيك والتشهير من جهة أخرى، من خلال سياسة المدح والقدح على الهواء مباشرة نتيجة للأحكام التي يصدرها المذيع حسب فهمه الخاص واللحظيّ ومزاجيته المتقلبة بغرابة، وهي أحكام تشكلت في ذهن المذيع فقط خلال دقائق معدودة، مستفيدا هذا الأخير من خبرة اكتسبها تجعله قادراً على تغيير نبرة صوته كي تتلائم مع امتعاضه من قضية ما، واستيائه من تباطؤ مشروع ما، وانبهاره بأداء مسؤول ما، وتبرئته لأحد المتنفذين من قضية فساد ما لأنه على “معرفة شخصية به” وأنه “زلمة غانم ونظيف”، وهذا أسلوب يفتح الباب على مصراعيه لشراء الذمم مقابل السكوت وغضّ البصر والثناء الزائف المنتشر عبر أمواج البث في هواء التنفس.
إن استدراج الناس والدفع بهم لهذا المربع المحاط بعوزهم وضعفهم وحاجتهم، يجعلهم يثقون مـُـكرهين بهذه البرامج، وتزداد مصداقيتها لديهم على حساب الثقة بالأجهزة الرقابية القانونية ومصداقيتها، وهي المنوط بها كشف التقصير والترهل والإهمال، والحفاظ على سير المؤسسات وكفاءة الموظفين والمسؤولين كما يجب، وكما هو موجود في كل بلد تحترم مواطنيها وتقدس الموضوعية والمهنية وتطبيق القانون لتحقيق العدل في مجتمعاتها.
تقزيم المشاكل
تحت تأثير فتنة قوة الصوت عبر الأثير، وجبروت المايكروفون وغطرسة المذيع، يتم الضخ اليوميّ لأطنان من مظاهر القصور الثقافي والحضاري وعدم الاحترام لعقول الأردنيين والتجهيل غير المتوقف الرامي لتضليل المستمعين الذين ضحـّـوا من حيث لا يدرون بصباحات أكثر هناءً وإشراقاً مقابل لذة الانصات لمشاكل بعضهم البعض، وإدمان الاستماع للشكاوى الدائمة، واعتياد النكد اليومي، ومتابعة مسلسل مستمر عن الإحباط المتشكل كـ “موزاييك” من آلاف الهموم المنتشرة أفقيّاً جنبا إلى جنب والمتراكمة عموديا طيلة سنوات.
أخشى ما أخشاه أن يصل الأردنيّ لقناعة في لا وعيه وعقله الباطن أن مشاكل البلد ومصائبها هي فقط تلك التي يتم تداولها في هذا البرنامج أو ذاك، وأن أقصاها هو بطء معاملة في إحدى الوزارات أو إهمال طبي في أحد المشافي، مغفلة هذه الإذاعات عن قصدٍ قضايا الفساد الاقتصادي والإداري والإصلاح السياسي والقبضة الأمنية على الحريات العامة وعدم تطبيق القانون إلا بانتقائية، فبعد سنوات من إفساد العقول وبعثرة الأولويات، يسهل على هذه البرامج أن تضخم المسائل الثانوية والهامشية على حساب قضايا مصيرية أكبر تمس الوطن وأبناءه، فيتم تشتيت انتباههم وإلهاؤهم عنها ليركزوا اهتمامهم على الغث دون السمين.
في أمل !!!
قد تستمر هذه الظواهر الإعلامية حيناً من الدهر إلى أن تضعف ظاهرة التصفيق من المغرمين بضحكة المذيع وخفة دمه وإقبالهم على برنامجه ذائع الصيت حالياً، هي مسألة وقت لا أكثر قبل أن تحين لحظة الإصلاح الحقيقي الشامل سياسيا واقتصادياً وثقافياً ويصل إلى الجهاز الرقابي ليطوّره ويُـفعّـله ليقوم بدوره بشفافية ومصداقية دون الحاجة لجعجعة وفزعات، مسألة وقت قبل أن يلفظ الأردنيّ كلّ ما من شأنه امتهان كرامته وتعويده على الذلّ في طلبه لحقوقه، ويرفض كلّ ما من شأنه استغفاله والاستخفاف بعقله، ويكون قادراً على التفريق بين دعوات بناء أردن ديمقراطي وبين التجييش والتحريض واقتراحات إسقاط الجنسية عن “المسيئين”.
—-
مقال رائع ومنطقي جدا وأسلوب وصف نفتقده كثيرا في صحافتنا الحالية .. سلمت يداك
مقال رائع ومنطقي جدا وأسلوب وصف نفتقده كثيرا في صحافتنا الحالية .. سلمت يداك
اصمتي يا فيروز
فلا داعي لآن نبتسم بالصباح وصوت المذياع يجعجع
طبيبة اطفال مشهورة لا تجد المطاعيم الهامة لمرضاها قالت لوالدة الطفل احكي مع” الوكيل
الحقيقة انا احسست بالتفاهة التي وصلنا اليها
اما ان يتواجد المطعوم لانه هام او لا يتواجد لاننا لا نستطيع احضاره لكن ان يكون موجودا ونحتاج لواسطة الاذاغة فهذا امر مستهجن
مقرف لا يمكن السكوت عنه
problem is that some people actually believe that this is the best they can get.they stopped believing in their rights!they think that whatever it is that they are provided with,then its what they deserve,not to forget that some certain shows make it sound very patriotic to listen to them and whoever doesnt listen does not actually belong!
صباح الخير
منذ صباح امس يسيطر علي نوع من الحزن الشديد المصحوب بالغضب واليوم قرأت مقالتك وهي تدور حول نفس الموضوع وهي استجداء المساعدة تذكرت الفنان محمود صايمه مع انني لا احب ادواره ولا المشاهد التي قدمها الا انني كنت احب شخصيته الطبيعية , قابلته عدة مرات في مناسبات اجتماعية وكان كأي مواطن اردني يعيش دون مستوى خط الفقر “تحسبهم اغنياء من التعفف ” كان يشكو اوضاعه الإقتصادية بطريقة مضحكة مبكيه لكنها في الصميم.بعد وفاة محمود صايمه قرأت خبرا ان دولة رئيس الوزراء أمر بتعيين ابن محمود صايمه في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون فرحت قليلا لأن عائلة محمود صايمه لن تفقد من يعيلها , وغضبت أكثر لأننا لا نبادر في المساعدة الا بعد وقوع الكارثة الم يكن محمود صايمه وغيره ممن قدمو لهذا الوطن سواء احببناهم او لم نحبهم الم يكن ليفرح عندما يتم تعيين احد ابناءه وهو على قيد الحياة! تذكرت محمود صايمه و حالته تنطبق على كثير من المواطنين ومنهم ربيع شهاب ايضا الذي صنع اسما ومجدا للدراما الأردنية لم اسمع يوما عن تكريم لربيع شهاب مع ان هذا التكريم لن يفيده بشيء لكنه قد يفرحه قليلا وينسيه بعض ما فيه من ألم.ام سننتظر الى ان يتوفاه الله فيتم تعيين ابنه في التلفزيون لنفرح ؟؟؟في الدول العربية نعيش حالة غريبة نتنكر للواقع ونتجاهله واذا حدثت المصيبة نهب كلنا للمساعدة مع ان المصيبة كانت قائمة امامنا منذ زمن طويل.ثم عدت للتفكير بمحمود صايمه مرة اخرى و بإبنه الذي تعين في التلفزيون وخرجت بنتيجة بعيدة عن العواطف وهي تنطبق على كل الدول العربية وهي انالممثل يبقى ممثل الى ان يتوفاه الله ثم يورث الفن لإبنه
والمطرب والميكانيكي والنجار والحداد والضابط والطبال والراقصة والجندي والدكتور يتشبث المواطن بمهنته الى ان يموت ثم يتم توريثها لإبنه وفي السياسة ايضا تبقى سياسيا سواء كنت معارضا او حاكما او مواليا أو محايدا الى ان تموت ثم تورث ما عندك من سياسة الى احد ابناءك.اصبحنا واصبح الملك لله ,
واو رد جميل شكرا يا عامر أتفق معك، نحن دائما لا نحتفل بانجازاتنا و لكننا نشكو و نشكو و نحتفل عندما يكون الاحتفال متأخرا جدا
مقال جميل جداً، شكراً ضياء.
الصباح بداية أيامنا، ومن المفترض أن يجلب معه جمالية وتفاؤلاً لكل منا
على الرغم من تضخم السلبيات والهموم في مجتمعنا. ولكن كيف لنا أن نبتسم؟ نستفيق لتقدم
إذاعاتنا وتلفزيوناتنا صوتاً يجعجع و لغة مجروحة و شكوى دائمة. خوارٌ وليس حوار
بين مسؤولين يلقي كل منهم باللائمة على الآخر ومذيع لا يفقه من الأمر شيئاً… ولا
ننسى جرعتنا اليومية من المصطلحات العنيفة من تلك الأغاني “المسماة ” بالوطنية، لكي نستشعر أننا شعب عنيف و دموي حتى في تعبيرنا
عن الحب لوطننا وحتى في ساعات الصباح الباكر.
استخفاف بعقول من يسمع وتشويه لمعنى “خفة الدم” وساعات ضائعة
بلا جدوى…نحتاج حقاً لتغيير “عصرنة” التخلف بقضائنا على فلسفة
الاستجداء بكل أشكالها والوصول إلى من يحتاج حقاً للمساعدة، وأن نجعل من صباح
فاتحة خير، لا مسلسلاًُ مكئباً للعقول والنفوس.
وينبغي أيضاً أن يرتقي الإعلامي ليصبح ذو معرفة وحنكة لتركيز برامجه
وتقديمه على الأمور التي تمس المواطن وبطريقة متحضرة ترتكز على المعلومات والاستقصاء بدلاً من التجريح والتزيين …كفى نفاقاً.إذا كنت في دولة النفاق —– فاعدل بساق ومل بساق و لا تحقق و لا تدقق ——- وانسب شاما إلى عراق و لا تخاصم و لا تصادق —– و قابل الكل بالعناق فأي شئ كأي شئ —— بلا اختلاف و لا اتفاق حكمة من عثمان أمين