مشكلة العالم مع داعش

الثلاثاء 09 أيلول 2014

بقلم هاني نعيم

(نشر هذا المقال في 29 آب على مدونة الكاتب)

“قتل امرئ فى غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر”، الشاعر الدمشقي أديب اسحاق.

داعش ليس التنظيم الوحيد الذي يُمارس الذبح، القتل والتهجير في الشرق الأوسط، أو في العالم. هو جزء من مشهد الإنهيار الذي أصبح مرئياً في السنوات الخمس الأخيرة.

يتّفق الجميع على أنّ داعش، الذي أصبح يُسيطر على مناطق في سوريا والعراق تبلغ مساحتها بحجم بريطانيا، هو تنظيم دموي، والأكثر تطرفاً حتى من القاعدة التي استحوذت على انتباه العالم منذ أحداث الحادي عشر من أيلول 2001.

إذا ما استثنينا دعاة الخلافة الإسلاميّة، التي يبدو أنّ مؤيديها كثيرون، فإنّ العالم ينبذ داعش وممارساته. يرفضها ويدعو لإيجاد حلول لوقف تمددها الميداني من جهة، ولوقف تدفّق المقاتلين الأجانب القادمين من كل بقاع الأرض ليُجاهدوا في أرض الخلافة من جهة أخرى. واليوم، تعمل الولايات المتحدة على إقامة تحالف دولي من أجل توجيه ضربات عسكريّة لداعش حتى أنّ أعداء الأمس يُريدون أن يكونوا جزءً منه، بما فيهم السعوديّة وإيران.

ولكن لماذا لدى العالم مشكلة مع داعش؟

من الواضح أنّ العالم لا يُمانع الحروب والقتل. وهو ليس معنيًّا كثيراً بضحايا الحروب، من مهجّرين وجرحى، عدا عن القتلى وحجم الدمار الذي يُصيب مناطق النزاع. الحروب لم تتوقف يوماً، والأخبار القادمة من الشرق الأوسط، شمال أفريقيا، وشرق أوروبا تبشّرنا بأنّ الحروب مستمرّة للعقود القادمة، وإذا ما نظرنا للقرن الأخير، فهو لم يعش فترات هادئة، سوى هدنات ما بين الحروب.

السيستيم الحضاري الذي بنيناه قائم على العنف والاستعباد الصامت. غلّف العنف والقتل بقيم وهميّة مزخرفة، ملوّنة وتُحاكي رغبات دفينة فينا. هكذا، تمنحنا الأنظمة السياسيّة وهم الأمن عبر عسكرها ورجال شرطتها. تستعبد النظم الاقتصاديّة ملايين العمّال، المزارعين وموظفي المكاتب تحت شعار “اغتنام الفرصة” و”تحقيق الأحلام”.  ننعزل عن بعضنا البعض بوهم الاتصال المتطور. يُزرع فينا خوف التشرّد بوهم الاستقرار. ومحاربة الحروب عبر المزيد من الحروب.

مشكلتنا هي أنّنا لا مشكلة لدينا مع القتل الأنيق، الصامت والنظيف، ولكننا لن نرضى بقتل لا يضع مكياج حضاري كما يفعل داعش.

أما داعش فهو يُقدّم لنا العنف والقتل دون أي أدوات مكياج حضاريّة. يقتحم مقاتلو داعش المدن والقرى الآمنة. يُهجّر من يُهجّر، ثم يجمع ما تبقى من مدنيين في ساحة ما، ليقوم بتصفيتهم بدم بارد، أمام عدسات الكاميرا العالية التقنيّة (HD)، مع مشهديّة هوليووديّة تتراوح ما بين الواقع والخيال. هذه الفيديوهات يقوم داعش بإنتاجها، ويُغرق الشبكة العنكبوتيّة بها. فهو كتنظيم، يعرف جيّداً أنّ السلطة لا تقوم إلاّ بالعنف وعلى جثث الآلآف. وهو لإنشاء خلافته الإسلاميّة، يُطبّق شروط اللعبة الحضاريّة.

لهذا نحن نفضّل سماع خبر قتل مئة شخص بغارة قام بها جيش تابع لدكتاتور على أن نُشاهد فيديو ذبح مدني بريء على أيدي داعش.

لا مانع لدينا من أن نسمع عن مدينة دمّرت فوق رؤوس أهلها، ولكنّنا سنُذهل أمام مشهد فيديو لا تتعدى مدته الدقيقتين لملثّم يقطع رأس صحافي ببرودة أعصاب.

لا مشكلة لدينا من استعباد ملايين العمال في الصين لنستمتع بالهاتف الذكي وتكنولوجيا الشاشات التي بين أيدينا، طالما أنّ هذا العنف لا يتضمّن صور مؤذية، ولا نسمع صوت هؤلاء المخنوقين.

لا مشكلة لدينا من أن نرى مشرّداً في الشارع، طالما أنّ العنف الممارس ضدّه صامت.

لا مشكلة لدينا من أن نسمع عن جيش أباد قرية بكاملها طالما أنّنا لم نشاهد فيديو موت الناس فيها.

مشكلة العالم مع داعش هي مشكلة بصريّة بالدرجة الأولى. مشكلتنا هو مشاهدة القتل  والدماء وسماع صرخات الضحايا قبل موتهم.

مشكلتنا هي أنّنا لا مشكلة لدينا مع القتل الأنيق، الصامت والنظيف، ولكننا لن نرضى بقتل لا يضع مكياج حضاري كما يفعل داعش.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية