في صباح يوم الإثنين العاشر من آذار من العام الماضي، اهتز الأردنيون لخبر استشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر بخمس رصاصات أطلقها عليه جندي إسرائيلي على جسر الشيخ حسين، وخرجت مظاهرات مختلفة تطالب بـ«الثأر» لدم الشهيد زعيتر بطرد السفير الإسرائيلي وإغلاق السفارة وإلغاء معاهدة وادي عربة.
الناطق الإعلامي باسم الحكومة محمد المومني ظهر علىشاشة التلفزيون الأردني في أخبار الساعة الثامنة مساءً في يوم استشهاد زعيتر مؤكداً أن «كافة أجهزة الدولة لن تهدأ قبل ولن تتوقف عن متابعة الأمر حتى يتم التحقيق بالحادثة».
ما أكده المومني في ذلك المساء، تُرجم على أرض الواقع بتشكيل لجنة تحقيق مشتركة تضم ثلاثة أطراف هي الأردن واسرائيل والسلطة الفلسطينية، لم تنتهِ من عملها لغاية اللحظة، مع تأكيداتِ مسؤولين رسميين لفترة قريبة بأن اللجنة لا تزال تستمتع للشهود الذين تواجدوا على الجسر في تلك اللحظة، وهو ما يختصره والد الشهيد زعيتر القاضي السابق علاء الدين الطويل لـ«حبر» بعد سؤاله عن المستجدات «كل شي على حطة إيدك».
الجهات الرسمية تمسكت على مدار العام بسند قانوني يتيح لها عدم التصريح حول القضية وهو «الحفاظ على سرية التحقيق» ما جعل معظم مسؤولي الدولة يعطون الإجابة ذاتها إذا ما سئلوا عن قضية الشهيد زعيتر بأن «التحقيق لا يزال جاريا»، قبل أن يتوّج هذا التكتم بقرار من اللجنة المشتركة بعدم التصريح لوسائل الإعلام حفاظا على مجريات التحقيق.
اقرأ/ي أيضا:
والد الشهيد زعيتر قال لحبر أن المماطلة بالتحقيق تأتي من الجانب الإسرائيلي، «لرفضه التعاون مع الجهات الأردنية في التحقيق بالأخص من حيث توفير شهادات الشهود».
الخبير في القانون الدولي المحامي أنيس القاسم يقول «إن الأردن يملك أدوات عدة تمكنّه من مواجهة التلكؤ والمماطلة الاسرائيلة والضغط عليها للتعاون في التحقيق المشترك» لكنّه في ذات الوقت يستغرب لجوء الأردن للتحقيق المشترك، معتبراً أن الأردن كان بإمكانه بحسب القوانين الدولية أن يطالب «بالجندي القاتل» وأن يحاكمه حسب قانون الجزاء الأردني.
فور استشهاد زعيتر، تصاعدت ردود الفعل الشعبية والنقابية والرسمية في الأردن، إلى جانب ردود فعل أخرى من فلسطين، سواء في الضفة الغربية أو الأراضي المحتلة عام 1948، فبدأت مؤسسة «ميزان لحقوق الإنسان» ومقرها في الناصرة محاولاتها لمتابعة لجان التحقيق في إسرائيل، إلا أنّها اصطدمت بحاجز عدم موافقة عائلة زعيتر على توكيل المؤسسة، بحسب تصريح المحامي في المؤسسة عمر خمايسة لحبر.
ويضيف خمايسة أن «العائلة أكدت رغبتها اقتصار المتابعة في القضية على الجهات الحكومية الأردنية فقط، باعتبارها من ستعيد له حقه» وأنها سحبت توكيلها من أحد المحامين بناء على طلب من جهات حكومية أردنية. والد زعيتر أوضح أنه أوكّل القضية كاملة للسطات الرسمية الأردنية. «قلت للملك والحكومة شو ما بتعملوا احنا موافقينكم عليه.. في أكثر من هيك؟»
وسائل إعلام عبرية نشرت خبرا في٢٣ أيلول ٢٠١٤ تؤكد به تسليم نتائج تحقيق أجراه «مكتب التحقيقات مع الجنود» في جيش الاحتلال الاسرائيلي للمدعي العام العسكري هناك الذي قد يوجه تهمة للجندي، إلا أنه لم يتخذ لغاية الآن أي قرار بتوجيه تهمة، بحسب ما يؤكد خمايسة.
وجاء في الخبر المنقول عن الناطقة باسم جيش الاحتلال الاسرائيلي أن الجندي اعترف بإطلاقه النار على زعيتر بعدما شعر بالخطر، لأن زعيتر حاول سحب سلاح الجندي، وهو ما جاء في الرواية الاسرائيلية من اليوم الأول للحادث.
لم ينشر اسم الجندي مرتكب الجريمة لغاية الآن في أي وسيلة إعلام عربية أو عبرية، ولم يتم توقيفه مطلقا لغاية اللحظة ولا حتى تسريحه من الخدمة العسكرية
لم ينشر اسم الجندي مرتكب الجريمة لغاية الآن في أي وسيلة إعلام عربية أو عبرية، ولم يتم توقيفه مطلقا لغاية اللحظة ولا حتى تسريحه من الخدمة العسكرية، بحسب الخمايسة، الذي يستهجن عدم توجيه لائحة اتهام له بالرغم من انتهاء التحقيق الداخلي قبل ستة شهور «وهي فترة كافيه لتوجيه تهمة له بالأخص مع وجود كاميرات مراقبة وشهود عيان».
مؤسسة الحق الفلسطينية أصدرت بعد 10 أيام تقريرا يوضح تفاصيل ما حدث في ذلك اليوم معتمدة على روايات بعض الشهود الذين تواجدوا في المكان، مؤكدة إمكانية معرفة ما حدث هناك عبر الكاميرات التي كانت موجودة في المكان. واعتبر مدير المؤسسة شعوان جبّارين أن الحديث عن عطل الكاميرات ذلك اليوم هو التفاف واضح من الجانب الاسرائيلي في محاولة «لإنهاء الموضوع».
ويشير جبّارين الى عدم متابعة «الحق» لاحقا للقضية لعدم توفر المعلومات، «فبعدما رفض والد زعيتر تشريح الجثة -لأسباب إنسانية ربما- لم يعد بإمكاننا إصدار تقرير شرعي» مضيفا وجود ما يؤشر على «عدم ارتياح الجانب الأردني من متابعة جهات أخرى للقضية، فتوقفت الحق عن المتابعة، بالأخص بعدما رفض سائق الباص وهو أردني الجنسية ادلاء شهادته لنا».
خمايسة يتفق مع جبارين، بوجود رغبة واضحة «بإبقاء القضية ذات شأن أردني داخلي» مضيفا أنه «وبالرغم من الغضب الشعبي الذي شوهد في الأردن، إلا أن مؤسسة ميزان عندما توجهت لمؤسسات مجتمع مدني ومنها نقابة المحامين والعائلة للتعاون في متابعة القضية من الداخل قوبلت بتردد على جميع الأصعدة من اتخاذ أي خطوة».
نقابة المحامين الأردنيين اتخذت مساء أمس قراراً، قبل ساعات على الذكرى السنوية لاستشهاد رائد زعيتر، بدعوة ممثلين عن أحزاب سياسية وحقوقيين وقانونيين للقاء وطني لبحث «موقف موّحد لمواجهة البطء في الإجراءات ومتابعة مجريات التحقيق» بحسب عضو المجلس رئيسة لجنة الحريات نور الإمام، التي أكّدت أن اللقاء سيعقد «بالسرعة الممكنة، أي خلال أيام قليلة قادمة».
ولم يجب الناطق الإعلامي للحكومة محمد المومني على اتصالات حبر المتكررة للتعقيب على الاتهامات الواردة للحكومة بالمماطلة في التحقيق.