استطاع الشيخ إمام عيسى (2 تموز 1918 – 7 حزيران 1995)، أن يشكّل حالة غنائية ثورية في ستينيات القرن الماضي، حيث كانت أغانيه تمثّل في مرحلة ما نبض الشارع المصري، ولم تقف أغانيه عند الحدود المصرية، بل تجاورتها لتشكّل ظاهرة عربية، وتنتشر في العالم العربي أجمع، كرمز للثورة والتعبير عن نبض الشارع.

وعادت أغاني الشيخ إمام إلى الساحة بكثافة عالية مع أولى شرارات الربيع العربي، خصوصًا مع انطلاق ثورة يناير في مصر، فأصبح صوت إمام وأغانيه أيقونة الثورة ورمزًا لها، وبات شعار الثورة «يا مصر قومي وشدي الحيل» و«ومصر يما يا بهية». وكان إمام الغائب جسدًا هو الأكثر حضورًا في ميدان التحرير، من خلال أغانيه، خصوصًا تلك التي قدمّها مع الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم واعتبرت سابقًا رمزًا لكل ما هو ثوري ومعارض.

وبالحديث عن إمام ونجم، ارتبط هذان الاسمان بصورة مثيرة للاهتمام والريبة في بعض الأحيان، إذ كانت سببًا في تعرضهما الاعتقالات والإشكالات. كانت علاقة «إمام-نجم» من أشهر الثنائيات الشعرية الغنائية التي عرفها الفن العربي الحديث، والتي لطالما أثارت جدلًا واسعًا لدى النقاد.

إذ يرى بعض النقاد أن أحمد فؤاد نجم هو السبب وراء انتشار الشيخ إمام ونجاحه، ويذهب نقادٌ آخرون إلى نفي هذه المقولة والتأكيد على أن سبب انتشار أحمد فؤاد نجم هو ارتباط اسمه بالشيخ إمام، فيما يرى آخرون أن علاقتهما مكملة للآخر.

لكن في واقع الأمر، لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال التقليل من شأن الشيخ إمام كموسيقي ذو رؤية فنية مختلفة، وأنه كان سببًا رئيسًا في ظهور نجم وانتشاره. ذلك أن نجم لم تُعرف له قبل ذلك سوى بدايات ساذجة في الكتابة.

ففي كتابة النغم الشارد يقول الروائي المصري عبده جبير أن بدايات نجم (1929-2003) في الكتابة كانت «ساذجة» حين كان فتىً في ملجأ خيري في محافظة الشرقية بعد وفاة أبيه، ولكن لقاءه بالشيخ إمام (1918-1995) عام 1962 «غير مسار حياتهما معًا… أصبحا رمزًا لفن الغناء الثوري، والتعبير عن وجدان رجل الشارع».

ولعلّ الدليل على صحة هذا الكلام هو أنه على الرغم من أن الأغاني التي حملت توقيع «إمام – نجم» كانت الأكثر انتشارًا، نظرًا لطابعها الثوري وكلماتها المباشرة والحادة والجارحة في بعض الأحيان، إلا أنها لم تكن الأفضل من ناحية الفنية؛ لحنًا وغناءً.

إذ غنى إمام لنحو 35 شاعرًا، كان أبرزهم بيرم التونسي واليمني عبد الله البردوني والفلسطينيون سميح القاسم وتوفيق زياد وتيسير الخطيب وفدوى طوقان ومن المصريين فؤاد حداد ونجيب سرور وزين العابدين فؤاد ونجيب شهاب الدين.

وكأمثلة على الأغاني الثورية والوطنية، نجد أن إمام كان أكثر تنويعًا في المقامات الموسيقية في الأغاني يا مصر قومى وشدي الحي لبيرم التونسي، وفي اتجمعوا العشاق وشيّد قصورك لزين العابدين فؤاد، نرى تنويعًا في المقامات وابتعادًا عن الإنشاد الثوري كما في معظم الأغاني التي جمعته مع نجم، دون أن يلغي ذلك أن هناك أعمالٌ وطنية وثورية جمعته مع نجم وكانت ألحانها غنية بالمقامات.

أما مع نجيب سرور، فقد قدّم أهم أعماله اللحنية في أغنيتي البحر بيضحك وحلَّو المراكب، وكذلك الحال في أغنيته مرمر زماني لفؤاد قاعود. ومن ألحانه ذات العمق ما ألّف كلماته بشكل شخصي، إلا أنها لم تحظَ بانتشار كبير، وهي أغنية فرح فؤاد الحبيب.

في هذه القائمة الموسيقية، اخترنا لكم في حبر في الذكرى العشرين لوفاة الشيخ إمام ، التي صادفت الأسبوع الماضي، مجموعة من أغاني الشيخ إمام بأصوات معاصرين جددوا عليها من حيث التوزيع والتلحين.

البحر بيضحك ليه (كلمات: نجيب سرور، انتاج: 1984) كان من أوائل من غنّى هذه الأغنية واشتهر بها بعد إمام الفنان المصري محمد منير، حافظ منير على اللحن الأصلي للأغنية، لكنه أضاف إليه موالًا في مطلع الأغنية، وعدّل على سرعة الإيقاع، وأضاف إليها زخمًا آلتيًا تنوع.

الفنانة المصرية مريم صالح غنت هذه الأغنية أيضًا، إلا أنها أضفت عليها طابع موسيقى الروك الذي لم يتناسب مع اللحن الأصلي للأغنية. حاولت صالح أن تحافظ على مقام الإيقاع وأن تمزج الثيمة الغربية معه، إلا أن المزج لم يكن ناجحًا تمامًا.

وبأسلوب الجاز الهادئ، قدمت الفنانة المصرية دينا الوديدي الأغنية، بدا الإيقاع فيها أكثر وضوحًا، وسيطرت ألحان الجاز على اللحن الأساسي للأغنية، فقدمتها بأسلوب مختلف كليًا عما قدمه إمام.

من جهتها، حافظت فرقة اسكندريلا المصرية على الأغنية من حيث اللحن والأداء، حيث حاولت أن تقدم الأغنية بصورتها الأولى والأساسية دون إضافات تُذكر، سوى طابع الكورال الذي يغى على أعمال الفرقة.

وبإيقاع أكثر زخمًا، وجمل موسيقية أقصر، وتنويعات مقامية أكثر، غنى الشاب المصري محمد محسن الأغنية، محاولًا أن يُقدم شخصيته الفنية، دون التجني على اللحن الأصلي، ومبتعدًا عن حالة التكرار في إعادة إنتاج الأغنية.

وبأداء يقترب إلى الأغنيات الرومانسية، ودون أن تستطيع أن تقبض على المقام وإيقاعه، غنت الفنانة فيروز كراوية الأغنية بصورة أفقدتها الكثير من معانيها وعمقها.

الفنانة الأردنية مكادي نحاس غنت البحر بيضحك دون مرافقة الموسيقى، مع الاحتفاظ باللحن الأصلي للأغنية.

أهيم شوقًا (كلمات أحمد فؤاد نجم) غنّى الفنان المصري محمد الحلو هذه الأغنية بخروج كامل عن اللحن الأصلي للأغنية، إذا زاد عليها جملاً موسيقية جديدة، وأضفى عليها إيقاعًا وطابعًا أوركستراليًا، مما جعل منها أغنية جديدة ومختلفةً تمامًا عن الأصل.

نشيد الكروان – دار الفلك (كلمات أحمد فؤاد نجم) لعلّ أول من أعاد إنتاج هذه الأغنية كان مشروع دروشة المصري، الذين قدموها بأسلوب الميتال-روك.

ثم أعادت الفنانة الأردنية لارا عليان إنتاجها في ألبومها الغنائي الأول، محافظةً على اللحن الأصلي، وبتوزيع جديد للتخت الشرقي.

نيكسون بابا (كلمات أحمد فؤاد نجم) يُعد أشهر إعادة إنتاج، إن لم يكن الوحيد، لهذه الأغنية هو ما قدمته مريم صالح. خروج صالح عن لحن الأغنية لم يمنعها من الاحتفاظ بروح السخرية والانتقاد التي حملتها الأغنية، فغنتها بصورة ساخرة ومميزة.

يا ولدي (كلمات فتحي آدم) حاولت فرقة جين السورية أن تُقدم هذه الأغنية بأسلوب الفيوجن، ولا يبدو أن اللحن كان موفقًا مع الكلمات، الأغنية التي تمَّ إعادة إنتاجها في العام 2005 لم تحظَ بانتشارٍ كبير، ولم تحظَ الفرقة نفسها بانتشار يُذكر.

الفنان المصري حمزة نمرة أعاد أيضًا إنتاج الأغنية، لكن اللحن الجديد فشل في حمل روح الأغنية؛ فعلى بساطة لحن إمام، إلا أنه استطاع أن يحمل الكلمات دون عناء. أما في هذا اللحن فتبدو الجمل مكسورة وغير متجانسة.

أتوب عن حبك (كلمات أحمد فؤاد نجم) من جديد يغني الشاب محمد محسن إمام بصوتٍ دافئ، يحافظ على جمال اللحن وأصالته، ويضفي عليه من روحه.

اتجمعوا العشاق (كلمات زين العابدين فؤاد) لا يختلف أداء فرقة اسكندريلا في هذه الأغنية عن باقي الأغاني التي أعادوا إنتاجها، يعتمدون على الاحتفاظ على اللحن الأصلي مع تعديلات بسيطة، ويقدمونها بأسلوب غناء الكورال الجماعي.

إذا الشمس غرقت (كلمات أحمد فؤاد نجم) تغني مريم صالح هذه الأغنية ترافقها ارتجالات موسيقية، مما يكشف ضعف خامة صوتها. تحاول أن تحافظ على اللحن الأصلي تارةً، وترتجل بالخروج عنه تارة أخرى.

أما التونسية غالية بن علي فتغنيها بأسلوب مختلف تمامًا، تُقدم قراءةً جديدةً للأغنية، وتخدمها مساحات صوتها وقته في الارتجال أثناء الغناء.

للاستماع لعدد من أعمال الشيخ إمام بصوته