في وسط عمان: هكذا صنع الناس حيزًا عامًا وهكذا تقاسموه

دخلة حبيبة في وسط البلد. تصوير مؤمن ملكاوي.

في وسط عمان: هكذا صنع الناس حيزًا عامًا وهكذا تقاسموه

الثلاثاء 07 أيلول 2021

قد يكون وسط مدينة عمّان أحد أكثر المناطق التي طالها التغيير في العاصمة خلال العقدين الماضيين. قبل ذلك، كان وسط البلد قد استقرّ لزمن طويل نسبيًا على صورةٍ منسجمة ومستجيبة لمتطلبات حركة الناس ونشاطهم الاقتصادي والاجتماعي، وقد بني أصلًا لخدمة تلك الحركة. 

شكلت نقاط انطلاق النقل العام بؤر نشاط رئيسية في المنطقة، وكان أبرزها وأكبرها، مجمع رغدان القديم المجاور للساحة الهاشمية. كما كانت هناك نقاط أخرى، بينها، تجمّع خطوط سرافيس العبدلي والشميساني في شارع الشابسوغ، وتجمّع خطوط جبل عمان في نهاية شارع بسمان مقابل المسجد الحسيني، ونقاط أخرى أصغر حجمًا كخطوط سرفيس جبليْ اللويبدة والتاج وكذلك الأشرفية. وحول كل واحدة من هذه النقاط تشكل النشاط الملائم لخدمة المستفيدين القادمين صباحًا من المناطق المختلفة إلى وسط عمان، والعائدين مساءً إلى تلك المناطق.

في تلك الفترة، كان وسط عمّان يشهد حركة متواصلة على مدار الساعة، وكان بإمكان مرتاد المنطقة ملاحظة حضورٍ للعمال المصريين فيها، وكذلك للعراقيين، فقرائهم تحديدًا.

لكن مع مطلع القرن الحالي، وتحديدًا منذ العام 2003 -الذي شهد إغلاق مجمّع رغدان-، شهد وسط عمّان تغيرات كبيرة، حيث أثّر إغلاق المجمّع على مجمل التركيب الاقتصادي الاجتماعي للمنطقة، إذ كان على كثيرين أن يغيروا مساراتهم في الصباح والمساء، كما أثر ذلك على باقي خطوط النقل، حيث كانت جميع نقاط النقل، القريبة عمومًا من بعضها بعضًا، تعمل بتناغم صُنع مع الزمن، لأنها تخدم التناوب في حركة المتنقلين. 

قبل حوالي 15 عامًا، سألت رجلًا متقدمًا في السن، يعمل في تصليح الأحذية عن التغير الذي طرأ على وسط البلد، خاصة وأنه قد أخبرني أنه يعمل في هذه المهنة منذ العام 1969، وله محلّ يعمل فيه مقابل مبنى أمانة عمان الكبرى، مبنى مكتبة الأمانة اليوم، فأجابني ببساطة أنه لم يعد يرى الناس الذين كان يراهم سابقًا في وسط عمان.

وبعيدًا عن الاختلاف حول تقييم تلك التغيرات، بين من يرى أنها ضرورية وأكثر مدنية، وبين من يرى أنها أضرت بفئات أساسية في المدينة، فإن هذا المقال يحاول تتبع الطريقة التي تعامل بها الناس مع التغيرات، وقدرة المجتمع على خلق مساحات عامّة، من خلال تطويع التغيرات العمرانية.

يتناول المقال ثلاثة مواقع نمت ببطء وبأوقات مختلفة، وصنعت من خلال سلوك جماعي يزداد انتظامًا مع الوقت. سنرى أن هذه المواقع، وهي دخلة حبيبة والساحة الهاشمية وساحة البريد القديم، ليست جديدة بالكامل، لكنها بعد انقطاعات صارت تشكل ظاهرة قابلة للدراسة.

دخلة حبيبة

سميت بهذا الاسم نسبة إلى دكان صغير يقع في وسطها أسسه محمود حبيبة، صانع الكنافة النابلسية الشهير، قبل 70 عامًا. ورغم أن هذه المساحة تقع إلى جوار المبنى الكبير للبنك العربي، لكنها حملت غالبًا اسم الدكان الصغير ذي التاريخ الشعبي المعروف. وقد اعتاد العمانيون مشاهدة طابور الواقفين أمام دكان حبيبة بانتظار صحن الكنافة الصغير، نصف أوقية عادة، يتناولها الناس وقوفًا. لكنها اليوم لم تعد بتلك الصورة فقط. 

التغيّر الأحدث في الموقع، يمثله ما حصل على الجهة الثانية من الدخلة، أي جهة شارع الملك غازي، وهو ما يعرف شعبيًا بسوق الصاغة. فقد أكملت أمانة عمان فيه جانبًا من مشروع تطوير وسط عمان، فأعادت تصميم وتشكيل الشارع، من حيث الأرصفة والممرات وبلاط أرضية الشارع نفسه. ثم حوّلت سيرَ خطوط النقل العام بعيدًا عنه، وأصبح الشارع إلى حد كبير شارعًا للمشاة، مع السماح بعبور السيارات الخاصة الصغيرة، ,توفير عددٍ من المواقف لسيارات أصحاب المحلات. وأعيد تصميم إنارة الشارع، وزُوّد بإنارة ملونة ومزخرفة، كما وُضعت مقاعد حجرية في مواقع مختارة من الشارع.

أمّا الدخلة نفسها، فقد أعيد تنظيمها، وعولجت مسألة اختلاف المناسيب من خلال درجات وفراغات مناسبة، وأقيم مقعد حجري ملاصق لمبنى البنك العربي، يتسع للعشرات، بالإضافة إلى مقاعد حجرية أخرى، ويستخدم الناس الأدراج للجلوس، بحيث أصبح الموقع يستوعب أكثر من مئة شخص. وقبل أقلّ من ثلاث سنوات أعيد تحديث مجمع تجاري على الجهة المقابلة تمامًا للدخلة، وأقيم على واجهته الأمامية محل كبير من طابقين للاسم الشامي الشهير «بكداش» المتخصص بالبوظة، وفي داخل المجمع أقيمت مطاعم صغيرة للأكلات السريعة، وبعض الخدمات الأخرى كالإكسسوارات.

دخلة حبيبة في وسط البلد

في الواقع، تحولت الدخلة إلى مركز نشاط اتخذ شكل الساعة الرملية منفرجة الطرفين؛ فمن جهة ساحة فيصل، تنتشر عشرات البسطات مقابل المحلات العديدة التي تجددت محتويات أكثرها. ومن جهة شارع الملك غازي انتشرت عدة كافتيريات ومطاعم متفاوتة الحجم.

ومع ساعات المساء تتحوّل المنطقة إلى ساحة لتجمّع بشري متواصل ولكنه متجدد، يتكوّن من عائلات ومجموعات أصدقاء أو أفراد. وتعد الدخلة بؤرة المكان الرئيسية، غير أن استخدامها لا يقتصر على زبائن حبيبة فقط، وهذا ما يتيح الفرصة أمام المجموعات لتبقى معًا مع حرية أن يتناول كل فرد فيها ما يريد من المحلات المختلفة. ومن هنا جازت تسميها «حيزًا عامًا».

التقيت شابًا في نهاية العشرينيات من عمره، قال إنه قادم من إربد، وقد اعتاد عند كل زيارة له إلى عمّان أن يحضر ليتناول كنافة حبيبة. ومثله، فعل رجل في الـ48 من عمره، جاء برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة، خلال قضاء إجازتهم الصيفية قادمين من الكويت. ورغم أن بيته بعيد عن وسط عمان، إذ يقع في مرج الحمام، إلّا أنه جاء مع أسرته ليستأنف مشوارًا اعتاده سابقًا، فيتجوّل في مجمل وسط المدينة، ويختمها عند حبيبة. لقد لفت انتباهَه التغير الملحوظ في المكان وقال «صار أفضى» وأجمل وأكثر تنوعًا، وهو سعيد بذلك.

لكن مصدر المعلومات الأدق، يمثله عامل النظافة الذي استخدمه «حبيبة» في الساحة، وهو يعمل هنا منذ أكثر من عشر سنوات، يحمل أدوات التنظيف وعينه على الساحة، يتحرك حيث يلزم التنظيف.

يقول إن زبائن المكان متنوعون «كِده وكِده»، لكنهم غالبًا من «المتوسطين»، وعندما سألتُه عن روّاد ساحة البريد، أمام مقهى جفرا، قال: «لا هِناك مستويات فوق، وهنا الغلابة واللي نُص نُص، ولكن يحضر أحيانا سُيّاح». يقول عامل النظافة «زمان كان الشارع مطفي». 

أمام الدخلة من جهة ساحة فيصل، يقف شابٌ أمام بسطة ألعاب، يعمل الشاب -الذي يدرس الهندسة- على البسطة منذ سبع سنوات. وفي أوقات الدوام يعمل لينفق على نفسه من الخميس حتى السبت. يؤكد الشاب ملاحظة الآخرين عن طبيعة رواد المكان، فهم من الطبقات المتوسطة، لكنه لاحظ في الفترة الأخيرة، تراجع القدرة الشرائية لهم، إذ يسحب الأب أو الأم الطفل من أمام البسطة بشدة، وإذا اشترى يفاصل كثيرًا.

لا يمكن تناول هذا الموقع من دون الإشارة إلى مَعْلمين رئيسيين مجاورين، الأول كشك أبو علي للكتب، الواقع تمامًا على يسار الدخلة، والثاني ديوان الدوق وهو مبنى تاريخي يقع في وسط البلد القديم لمدينة عمّان، وقد استأجره ابن عمان ممدوح بشارات، وفتحه للعموم كمتحف وإطلالة ومرسم ومكتبة لمن يرغب من المارة. وقد صار هذا المكان جزءًا من الحيز العام في المدينة، لكن الفارق أن هذا حصل بقرار من مالك المكان. وللإشارة فقد حصل بشارات على لقب دوق من الملك الحسين بناءً على طلبه.

الساحة الهاشمية: استعادة بشكل جديد

أُطلقت التسمية على المساحة الواقعة أمام المدرج الروماني. كانت هذه المنطقة فيما مضى تشكل مركز العاصمة، حيث كان في أحد جوانبها مقر الأمير، ثم الملك عبد الله الأول، ومقر الحكومة ومدرسة رئيسية، وأول فندق مصنّف في الأردن هو فندق فيلادلفيا الذي أقيم نهاية عشرينيات القرن الماضي، قبل أن يهدم عام 1986 بقرار رسمي. 

حتى عام 2003 ظلت الساحة مشغولة بنشاطات تجارية خدمية، العديد من المطاعم والمقاهي، إلى جانب مساحات فارغة مشجرة منزوية هنا وهناك.

عمل المهندس عكرمة غرايبة، لفترة محدودة، مهندسًا مشرفًا على مشروع تطوير الساحة. وقد أنجز عام 2010 ورقة تحمل تصوّرًا نقديًا لمشروع التطوير، الذي يقول إنه أحيل على شركة غير مختصة وتعاملت مع المشروع بصفته حديقة عامة.

يكتب غرايبة في ورقته: «الموقع مشحون بالدلالات القديمة والمتوارثة والمعاصرة، والتي تجعله يستحق الكثير من التوقف والتأني والحساسية، الحساسية التي ستحتضن كل هذا الإرث بحنان ومسؤولية وخفة روح ويد، أمومة قادرة على احتضان المكان وتنميته».

وبحسب غرايبة، فقد تجاهلت الفكرة التصميمية الوجود الاجتماعي الاقتصادي للمحيط، ولم يشكل الوجود الاجتماعي الاقتصادي مرجعية لها» ويضيف إن «أثر المعطيات التاريخية (المرجعية الرومانية) على الفكرة التصميمية ملتبس وغير واضح وباهت، ولا يليق بموقع يشكل الوجود الروماني، أهم مؤثر بالموقع. والفكرة لم تأخذ في اعتبارها على الأغلب المعطيات المباشرة للموقع؛ من حيث زوايا الرؤية، وطبوغرافية الأرض، والمناسيب، وقوانين الآثار، والشارع المجاور، إلخ».

الساحة الهاشمية في وسط عمّان

لا يناقش هذا المقال صحة ملاحظات المهندس الغرايبة، ولكنه ينتقل مباشرة إلى معالجة مسألة كيف تعامل الناس مع الموقع عمليًا وكيف طوعوه لاحتياجاتهم.

أُنجز مشروع إعادة تأهيل الساحة وافتتح في آذار عام 2014، في احتفال كبير بيوم الأم وذكرى معركة الكرامة. زرتُ الموقع يومها، وكان من الواضح أن الناس مباشرةً ومنذ اليوم الأول، بدأوا بالتعامل الواقعي مع المكان، فتركوا صفوف الكراسي الخاصة بالاحتفال الرسمي، وبحثوا -خاصة العائلات منهم-، عن زوايا يجدون فيها قدرًا من الخصوصية.

اليوم، بعد سبع سنوات، تكون الساحة قد اكتملت كحيز اجتماعيّ مدنيّ عام. ورغم أن الدخول يتم من بوابات رئيسية محددة، حيث يحيط سور معدني بالساحة، لكن الناس يتوزعون في ساعات المساء بطرق صنعوها بأنفسهم. اليوم تُستثمر كل الزوايا والأدراج والفراغات التي أقيمت بشكل مرتجل كحلول معمارية، كل ذلك يجد من اهتدى إلى طريقة أخرى لاستخدامه.

مقابل المدرج مباشرة، اقتطعت ساحة فرعية مبلطة مستوية مساحتها حوالي أربعة دونمات، تستوعب مئات الأطفال والأولاد الذين يمارسون ألعابهم أمام ذويهم الجالسين على مقاعد في محيط الساحة. وعلى جانبي هذه الساحة الفرعية، توجد مساحات أكبر مجزأة بعضها ترابي أو مشجر، وتحتوي على مرافق ومقاعد وملاعب صغيرة، وهي مخدومة بممرّات لعربات ذوي الإعاقة ولعربات الأطفال.

يسمح للزوار بإدخال مأكولاتهم ومشروباتهم، ويسمح لهم بإدخال مفارش للجلوس، ولكن يمنع إشعال النار، ويمنع البيع داخل الساحات.

خصصت أمانة عمان ماكنة كناسة كهربائية على شكل عربة صغيرة، يقودها عامل نظافة، وتعمل حتى العاشرة والنصف ليلًا. ويقول العامل على الماكنة إنه مع الزمن أخذ يعرف طبيعة الزوار، وهم وفق كلامه من الفئات البسيطة، قادمون من شرق عمان، ومن الهاشمي وجبل النزهة وجبل الجوفة، ومن الزرقاء والرصيفة. يقول إن القادمين من مناطق أخرى يعرفهم من وجوههم. تقع على الشارع الرئيس المجاور، شارع الجيش، بسطات تبيع المأكولات الخفيفة والتسالي وألعاب الأطفال، وتقدم بعضها خدمة الأرجيلة. تقع على المدخل نقطة أمن ثابتة، ونقطة تابعة لأمانة عمان. 

توقفت عند رجل يجلس إلى جانب ثلاث سيدات وبعض الأطفال، قال إنه قادم من ماركا، وهو يحضر للمكان لأنه يوفر له «طشة» أسرية بتكاليف منخفضة. توجد على الشارع العام مطاعم ومحلات حلويات يتمكن الزوار من إحضار ما يرغبون منها إلى حيث يجلسون في الساحة. ومن الواضح، بحسب من قابلتهم، أن زوار المكان يتعاملون بارتياح مع الموقع كحيز عام متاح للجميع.

ساحة مكتبة الجاحظ: اعتراف متأخر

استقرت مكتبة خزانة الجاحظ في مساحة صغيرة، على ملتقى شارعين قرب مبنى البريد القديم. يقع بالقرب مطعم هاشم الشهير، ومقابل المكتبة يقع محل «مارديني» القديم للحلويات الشعبية. ومنذ نحو عقدين أقيم أول مقهى أخذ شكلًا تراثيًا وحمل اسم «جفرا». 

لمكتبة الجاحظ سيرة غنية، وقد تنقلت بين مواقع مختلفة قسرًا، وأحرقها مالكها ومؤسسها ممدوح المعايطة، في منتصف الثمانينيات احتجاجًا، ثم أعاد صاحبها بناءها مجددًا، على سور الأثر التاريخي القديم «سبيل الحوريات»، ثم نقلت قسرًا بعد وفاة المؤسس إلى الموقع الجديد، في ساحة البريد، وبقيت بلا ترخيص نهائي، ثم احترقت وصدمت من قبل شاحنة مسرعة، ثم توفي صاحبها هشام الابن، بعد الحريق، في حادث سير. وكان لوفاته في هذه الظروف أثرٌ دفع نحو الانتباه الرسمي، فقد زار الملك بيت العزاء، ثم عملت الأمانة، بالتعاون مع جامعة الزيتونة، على إعادة بناء المكتبة وزيادة حجمها ورفع جدرانها، واليوم هي عبارة عن بناء حجري واسع أنيق، يتمكن الزائر من دخولها والالتفاف حول رفوفها من الداخل والخارج. وقد افتتحت المكتبة مؤخرًا في حفل رسمي حضره وزير الثقافة.

خزانة الجاحظ في وسط البلد

أحاطت الأمانة الموقع بسور معدني منخفض، لكنه سمح بنشوء ساحة خاصة بالمكتبة، مفتوحة أمام الزوار عمومًا، وفيها عدد من المقاعد الحجرية والخشبية.

الملاحظ أنه مع تغير شكل المكتبة حصل تغير في أسلوب التعامل معها، بل وفي روداها وزبائنها أيضًا. فالمكتبة كانت عبر تاريخها قد صنعت أسلوبها الخاص المتوارث عن الجد المؤسس. فهي توفر فرصة القراءة المتأنية وتقليب الكتب، وكانت كتبها تُعرض أحيانًا من خلال صناديق خشبية مركونة على الأرض، كما اشتهرت بأسلوب تأجير الكتاب لأسبوعين مقابل دينار واحد، وفي السنوات الأخيرة قبل وفاة صاحبها هشام، تشكلت حولها مجموعة من الشباب والشابات القراء.

يعمل في المكتبة ابن هشام، وهو شاب في الـ21 من عمره. يقول إن نظرة الزبائن والمارة تغيرت، فقد توقف عرض صنادق الكتب، وصار الاقتراب يجري بحذر إلى حد ما، ولاحظ أن الزبائن التقليديين صاروا أكثر ترددًا في السؤال، كما يعتقد بعض القراء أن أسلوب المكتبة تغير. ولكن بالمقابل، نالت المكتبة روادًا جددًا، ويتضح ذلك من طبيعة الكتب المعروضة على الواجهات الرئيسية، فأغلبها كتب باللغة الانجليزية وأخرى متعلقة بأنماط الحياة الجديدة.

بمرور الزمن، أعيد تشكيل محتوى المحلات في كل المنطقة القريبة، بحيث أقيمت عدة مطاعم للمأكولات السريعة والعصائر، بعد أن أغلقت «مطاعم الأردن/ جبري» التي أقيمت في عام 1964 وتلاها إغلاق «مكتبة الاستقلال» الشهيرة المقامة منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين، فيما صمدت حتى الآن مكتبة «عزيزية».

اليوم يشكل الموقع ككل ساحة لفئة الشباب عمومًا، وينتمون غالبًا إلى فئات اجتماعية «أعلى نسبيًا» مقارنة مع الموقعين السابقين. لقد انتشرت مقاه جديدة، بأسماء جديدة. وإن صمدت بعض المقاهي القديمة مثل السنترال، والتي تقدّم خدماتها بأسعار أقل من المقاهي الجديدة، التي تأخذ الطابع «التراثي». لكن أستاذ العمارة رامي ضاهر، المتخصص بالبحث العمراني والاجتماعي حول عمان، لا يتفق مع تسميتها بالتراثية، ويقول إنها أقرب إلى ديكورات مسلسل «باب الحارة»، إذ تحتوي خليطًا من المكونات لا علاقة له بالتراث. 

أخيرًا، نحن هنا أمام نموذج لإعادة تطويع الأمكنة من قبل السكان بهدف خلق مساحة عامة، وهذا وفق ضاهر، هو الأسلوب الاعتيادي في صناعة الحيز العام في المدن على المستوى العالمي، فالناس يعيدون تشكيل ومواءمة الأمكنة، ويحورون في استخدامها وفق ما يرونه مناسبًا لأذواقهم وثقافتهم.

من المرجح أن الظاهرة لن تثبت على صورة نهائية واحدة. وهناك أنوية لمواقع جديدة قد تتحول بدورها إلى مساحات عامة، لا سيما وأن التبدلات العمرانية لم تتوقف.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية