من الجامعات إلى الشارع: ماء العدو احتلال

السبت 27 تشرين الثاني 2021
تصوير مؤمن ملكاوي

على مدى الأيّام القليلة الماضية، احتجّت حركات طلّابيّة في الجامعات الأردنية وفعاليات شعبيّة وأحزاب على توقيع الحكومة الأردنيّة وثيقة اتفاق نوايا مع الكيان الصهيوني لمبادلة الطاقة الكهربائيّة بمياه الشرب. وكان آخر هذه الاحتجاجات، مسيرة مركزيّة في عمّان، خرجت بعد صلاة الجمعة من أمام المسجد الحسينيّ، تجاوز عدد المشاركين فيها الألفين.

رغم إعلان الصحافة الإسرائيلية عنها منذ يوم 17 تشرين الثاني، لم تعلن الحكومة الأردنية أي شيء عن الاتفاق، بل إن الناطق باسم الحكومة وزير الإعلام فيصل الشبول نفى يوم الإثنين الفائت وجود اتفاقية قائلًا: «ما في اتفاقية، ولا خطاب نوايا، ولا في شيء لحدّ الآن، في بحث بهذا الموضوع، ومش بالضرورة يوّدي [البحث] لا لنوايا ولا اتفاق، بس وين حدوده؟ وين وصّل؟ ما فيه شيء على الأرض». لكن وقبل أن ينتهي اليوم كان الناطق باسم وزارة المياه والريّ عمر سلامة يرسل بنود الاتفاق للصحفيين على جروب واتساب.

وقّع الاتفاق حكومات الإمارات والأردن والكيان الصهيوني، بحضور مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون المناخ جون كيري ووزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والمبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي سلطان بن أحمد الجابر.

ينص الاتفاق على وجود اقتراح من عنصرين: برنامج طاقة نظيفة في الأردن لتزويد «إسرائيل» بالكهرباء، وبرنامج تحلية مياه مستدام في إسرائيل لتزويد الأردن بالمياه المحلاة، وبموجبه يزوّد الأردن دولة الاحتلال بالكهرباء من سعة 600 ميجاواط في الساعة من التيار المتردد، و2.4 إلى 3.0 جيجاوات في الساعة للتخزين. بالمقابل توفر «إسرائيل» 200 مليون متر مكعب سنويًا من المياه المحلاة للأردن.

يعتقد عضو مجلس النواب الأردني النائب ينال فريحات أن الحكومة لم تكن لديها النيّة للإفصاح عن الاتفاق كي لا تواجه الشارع، وهذا ما دعا بعض النوّاب للتخوّف من وجود شيء غير معلن وأنَّ «وراء الأكمة ما وراءها» كما يقول النائب حسن الرياطي. 

نشرت وزارة المياه والريّ نص الاتفاقية على موقعها الإلكتروني باللغة الإنجليزية ولم يترجم النص حتى اللحظة.

احتجاجات على الاتفاق منذ اللحظة الأولى

بدأت الاحتجاجات على هذه الاتفاقية من الجامعات؛ إذ نفذّت قوى طلابيّة يوم الثلاثاء وقفات في جامعات؛ الأردنيّة، والزيتونة، والهاشميّة، وآل البيت، والبوليتكنك. ثم نفذ طلاب من جامعتي العلوم والتكنولوجيا، وفيلادلفيا وقفات احتجاجية يوم الأربعاء. ونفذت وقفة أخرى في جامعة اليرموك يوم الخميس. وخرجت تظاهرات محدودة في مدن إربد والزرقاء وعمّان ومأدبا.

منذ بدء الاحتجاجات في الجامعات يوم الثلاثاء، تعاملت الحكومة والمسؤولون معها بتوتر، إذ لاحظ الطلبة زيادة عدد سيارات الأمن العام على بوابة الجامعة الأردنيّة، وتواجدَ الأمن الجامعي مع عميد شؤون الطلبة في جامعة الزيتونة قبل تنفيذ الوقفة وهدد العميد المشاركين، وسحب الأمن هوية الطالب أحمد حيدر الذي كان يهتف في الوقفة. «اللي أثار غضبنا أكثر إنه الأمن الجامعي صار يلف على البنات والشباب لياخذوا هوياتهم، ويفتشوا تلفوناتهم ويحكولهم يمسحوا الفيديوهات اللي مصورينها». وفقًا لأحد الطلبة المشاركين في الفعالية.

خارج الجامعات أوقف الأمن مجموعة مشاركين في مسيرة قرب دوار الداخلية مساء الثلاثاء، كان بينهم ستّة من طلبة الجامعة الأردنية، وهم: عبدالرحمن عمرو، عمر برغل، وحمزة عبيد، وبراء يعقوب، وسيف تفاحة، وأحمد غيث، بحسب ما نشرته كتلة أهل الهمة الطلابية. وأوقف ثلاثة طلبة آخرين من جامعات مختلفة هم: أحمد حيدر من جامعة الزيتونة، وأسامة الجهني من جامعة العلوم الاسلامية، وحمزة القرنة من جامعة العلوم والتكنولوجيا. بالإضافة إلى مجموعة مشاركين من عدة مدن. ووصل عدد الموقوفين حتى مساء الجمعة 36 موقوفًا.*

وعلى غير العادة، أودع الموقوفون في مراكز إصلاح وتأهيل بعيدة عن أماكن سكناهم في: العقبة، معان، باب الهوى (إربد)، الطفيلة، بيرين (الزرقاء) قفقفا (جرش) أم اللولو(المفرق)، رميمين (البلقاء). ورفض محافظ العاصمة تكفيلهم في البداية.

يرفض محافظ العاصمة ياسر العدوان وصف التوقيف بالتعسفي، ويقول إن قرار تحديد أماكن التوقيف اتخذ بناء على سعات مراكز الإصلاح والتأهيل المتاحة.

يعزو العدوان سبب توقيف المجموعة التي كانت بالقرب من دوار الداخلية إلى مخالفتهم أوامره، إذ تشكل منطقة الدوار، بحسبه، واحدةً من عدة أماكن لا تسمح المحافظة بالاعتصام عندها مثل الديوان الملكي ورئاسة الوزراء، «تتحداني وتيجي على أماكن تعتبر عصب في الدولة الأردنية ما بسمحلك»، يقول العدوان.

صبيحة يوم الخميس وافق محافظ العاصمة على تكفيل الموقوفين،، وأكّد لحبر أن المبالغ الكبيرة التي وُضعت في الكفالات والتي وصلت إلى خمسين ألف دينار ليست مُلزِمة.

ورغم تأكيدات المحافظ صباح الخميس، دفعت عائلة الموقوف عمر برغل 150 دينارًا كرسوم كفالة الخمسين ألف دينار، وتوجهوا من عمان إلى مركز إصلاح وتأهيل قفقا في جرش لتكفيل ابنهم، وهناك قدموا الكفالة إلى مدير السجن لكنه رفض الإفراج عنه بحجة عدم وصول تعليمات له بالإفراج.

«الاتفاق ارتهان»

رفضت شعارات الطلبة في احتجاجات الجامعات والفعاليات والأحزاب في فعالية المسجد الحسيني اتفاق النوايا رفضًا للتطبيع وللعلاقة مع الكيان الصهيوني، فيما أشار هشام البستاني، منسق حملة غاز العدو احتلال، إلى أنه وفيما كان المسؤولون الأردنيون يصرّحون برفضهم لصفقة القرن، كان هناك تحرّك لتوطيد وجود «إسرائيل» في المنطقة من خلال مشاريع دائمة.

يستحضر النقابي والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين بادي الرفايعة موقف الشعب الأردنيّ في معركة سيف القدس حيث خرج الآلاف دعمًا لخيار المقاومة، ويقول إنّ صانع القرار في الأردن تجاوز بهذه الاتفاقية قرار الشعب الأردني الذي يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.

ثمة تواصل وتنسيق بين بعض الداعين إلى فعاليات الاحتجاج والنواب لكي يتخذ المجلس موقفًا من الاتفاقية. لكن البستاني يرى أن المجلس منزوع الإرادة، ويتصرف بمواقف كلاميّة في الأغلب ولا يستخدم صلاحياته الدستوريّة، مضيفًا أن دور المجلس في هذه الفترة هو إسقاط الحكومة.

وكان النائب حسن الرياطي من كتلة الإصلاح النيابيّة قد دعا النواب إلى توقيع عريضة تطلب مناقشة مستعجلة لهذه الاتفاقية، وقع عليها أكثر من سبعين نائبًا. ولا يستبعد الرياطي توجه بعض النواب لطرح الثقة بالحكومة.

لم تطرح صياغة نص اتفاق النوايا لمشروع إنتاج الكهرباء في الأردن والمياه المحلّاة في الكيان الصهيوني ضمن رؤية مشروع اقتصادي إنما ضمن ما يسميّه النص «تعاون إقليمي (..) لتحقيق السلام الدائم والاستقرار والأمن والازدهار لكل من الأطراف ومنطقة الشرق الأوسط برمتها». وهذا ما يفسّره الرفايعة والبستاني بالقول إن الاتفاقية ليست منفصلة عن مشروع أكبر لدمج الكيان الصهيوني في المنطقة ضمن ما يسمى بصفقة القرن.

مع ساعات مساء الجمعة، وكانت فعالية الجامع الحسيني قد انفضت، وبقي الموقوفون في السجون رغم تكفيل بعضهم، رجع المعلم رامز البطران من عمان إلى بلدته في شمال إربد في كفر سوم ليتفاجأ أن سيارات تابعة للأمن العام أتت للقبض عليه. استطاع البطران التواري عن الأنظار. ويقول: «الفعالية خلّصت تيجوا اتطوقوا البيت لويش؟».


* تحديث: أخلي سبيل عدد من الطلبة الموقوفين على خلفية الاحتجاجات اليوم السبت، وفقًا للمحامية هالة عاهد عضو الملتقى الوطني للدفاع عن الحريات.

ساعدت في إعداد التقرير الزميلة أفنان أبو يحيى

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية