قانون الجرائم الإلكترونية: تحصين الشخصيات العامة وقمع الفضاء الإلكتروني

الأحد 23 تموز 2023
قانون الجرائم الإلكترونية
تصميم محمد شحادة.

في 15 تموز الحالي، أحالت الحكومة الأردنية مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023 إلى مجلس النواب، أي قبل يوم واحد فقط من نقاشه في الجلسة التشريعية الأولى للمجلس في دورته الاستثنائية، ما أثار اعتراض بعض النواب على ما اعتبروه محاولة الحكومة تمرير القانون إليهم واتخاذ قرار بشأنه دون تعمّق فيه، خصوصًا أن مسودة القانون أُقرّت من قبل مجلس الوزراء في الثاني من تموز بحسب كتاب رئيس الوزراء الموجه إلى مجلس الأمة.

عزت الحكومة وضع مشروع القانون إلى التطور السريع في مجال تقنية المعلومات الذي يستوجب تجريم الأفعال التي تتم بوسائل إلكترونية تحقيقًا للردع العام والخاص، ولمواءمة القانون مع الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات والمعايير الدولية بما يضمن مكافحة الجرائم الإلكترونية، ولتوفير الحماية للحقوق والحريات العامة والخاصة من الاعتداء عليها كالابتزاز والاحتيال الإلكتروني والحض على العنف والكراهية وازدراء الأديان وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، وغيرها من الأسباب.

في الجلسة النيابية، قرّر مجلس النواب بالأغلبية إحالة القانون إلى لجنته القانونية، مع تباين واضح في آرائهم حول القانون. وإن كان كثير منهم يتفق مع الحكومة على ضرورة «تنظيم الفضاء الإلكتروني وضبطه»، إلا أن الخلاف تمحور حول المواد التي تستهدف حرية الرأي والتعبير على الفضاء الرقمي، وما إذا كان مشروع القانون يعيق النقاش العام على الإنترنت.

كيف وصلنا إلى مشروع القانون الحالي؟

تبدأ حكاية هذا القانون عام 2010، عندما أقرّت حكومة سمير الرفاعي مسوّدة قانون جرائم أنظمة المعلومات كقانون مؤقت في ظل غياب مجلس النواب، وقد عالجت نصوص المسوّدة بعض الجرائم التي قد تقع على شبكة الإنترنت، كاختراق المواقع الإلكترونية وبطاقات الائتمان البنكية وانتحال الشخصية وغيرها، كما تضمنت مادة تنص على أن كل من يقوم بإرسال ونشر البيانات والمعلومات التي تنطوي على ذمٍ أو قدحٍ أو تحقيرٍ عن طريق الشبكة المعلوماتية بغرامة تتراوح بين 100 وألفي دينار.

اعتُبرت مسوّدة القانون حينها «مطاطية يمكن أن تطال أي شخص وفقًا للمزاجية»، وقد استنكرت نقابة المحامين آنذاك محاولة الحكومة تمرير القانون في ظل غياب مجلس النواب، واعتبرت أن الكثير من مواده تضمنّت «اعتداءً سافرًا على الحريات العامة وحرية الرأي التي كفلهما الدستور للمواطن». تراجعت الحكومة لاحقًا عن مادة الذم والقدح والتحقير، وصدرَ القانون بدونها.

وبعد مضيّ خمسة أعوام، أقرّ مجلس النواب نسخة محدثّة من هذا القانون بتسمية جديدة هي قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015، بعدما أجريَ عليه بعض التعديلات، كان أبرزها إضافة جريمة الذم والقدح والتحقير عبر شبكة الإنترنت إلى القانون، وعوقب عليها هذه المرة بالغرامة مضافًا إليها الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، دون وضع حدٍ أقصى لمدة الحبس؛ ما عنَى إمكانية توقيف المتهمين بهذا الجرم.

أثارت التعديلات جدلًا واسعًا باعتبارها مشوبةً بالعيوب وفضفاضةً جدًا، فضلًا عن التعريف المبهم لخطاب الكراهية الذي قد يشمل أقوالًا أو أفعالًا تندرج تحت الحق في حرية التعبير.

أثارت هذه المادة جدلًا واسعًا طيلة أعوام، خصوصًا أنها تطال حرية الرأي والتعبير لدى المواطنين، وتسمح بحبس الصحفيين، على عكس قانون المطبوعات والنشر، كما يقول عضو نقابة الصحفيين خالد القضاة: «وصار إلها الأولوية بالتطبيق على قانون المطبوعات والنشر».

وبعد حوالي ثلاث سنوات من سريان قانون سنة 2015، قدمت حكومة هاني الملقي في أيار 2018 مشروع قانون معدل لقانون الجرائم الإلكترونية إلى مجلس النواب، وإلى جانب تغليظ العقوبات في كثير من مواد القانون، كان أبرز تعديل مقترح هو تجريم خطاب الكراهية عبر شبكة الإنترنت مع عقوبة بالحبس بين سنة واحدة وثلاث سنوات وبغرامة بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف دينار. وقد عرّف مشروع القانون حينها خطاب الكراهية بأنه «كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الإقليمية أو التمييز بين الأفراد والجماعات».

مجددًا، أثارت التعديلات جدلًا واسعًا باعتبارها مشوبةً بالعيوب وفضفاضةً جدًا، فضلًا عن التعريف المبهم لخطاب الكراهية الذي قد يشمل أقوالًا أو أفعالًا تندرج تحت الحق في حرية التعبير، بما في ذلك نشر المقالات أو التعليق على المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي.

بعد أيام من تقديم مشروع القانون، رحلت حكومة الملقي على إثر احتجاجات شعبية، ليخلفه عمر الرزّار رئيسًا للوزراء. ثم في العام نفسه أُدرج مشروع القانون نفسه على جدول أعمال مجلس النواب، فاستُؤنف النقاش العام حول القانون الذي أثار تخوفات الصحفيين والناشطين، وقد طالب رئيس مجلس النواب السابق عاطف الطراونة الحكومة بسحب مشروع القانون، وجاء ذلك بالتزامن مع لقاءات بين حكومة الرزاز وفعاليات شعبية ونقابية وحزبية طالبت بالأمر نفسه، كما ترافق مع احتجاجات شعبية في محيط رئاسة الوزراء طالبت بإصلاحات سياسية واقتصادية من بينها سحب مشروع القانون، وهو ما قامت به الحكومة فعلًا أوائل كانون الأول 2018، وكان الرزاز قد أقرّ قبل ذلك بوجود خطأ في تعريف خطاب الكراهية الوارد في مشروع القانون.

48 ساعة فقط مرت على سحب القانون، وأعادت حكومة الرزاز إلى مجلس النوّاب نسخة جديدة من القانون تضمّنت، بالإضافة إلى تغليظ العقوبات، تعديلًا على تعريف خطاب الكراهية ليصير «كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات الدينية أو العرقية أو الإقليمية أو الدعوة للعنف أو التحريض عليه أو تبريره أو نشر الإشاعات بحق أي شخص من شأنها إلحاق الضرر بجسده أو ماله أو سمعته». ظل التعريف الجديد في نظر كثيرين فضفاضًا وواسعًا، ويهدف إلى تحصين الشخصيات العامة؛ من وزارء ونواب وغيرهم، من النقد والرقابة على أعمالهم، كما اعتُبرَ القانون عمومًا أداة تشريعية لتقييد الحريات العامة وإخافة أصوات المعارضين والتضييق على حرية البحث والنقد والتعبير عبر الإنترنت. بالمقابل اعتبرت الحكومة أن قانون الجرائم الإلكترونية «لم يأتِ لتكميم الأفواه بقدر ما جاء لحماية حقوق المواطن ومنع التدخل في الحياة الخاصة واغتيال الشخصية».

ردّ مجلس النواب السابق مشروع القانون، فانتقل إلى أدراج مجلس الأعيان وظلّ كذلك حتى سحبته حكومة بشر الخصاونة قبل أسبوعٍ واحد من إحالة مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الأخير إلى مجلس النواب. وبعد سنواتٍ من المطالبات الشعبية والنقابية والحزبية بفصل مسائل الرأي والتعبير عن القانون، يقول عضو نقابة الصحفيين خالد القضاة، إن الحكومة جاءت بمشروع قانون أكثر تضييقًا مما سبقه، بل أضافت مواد جديدة تمسّ حرية الرأي والتعبير مستخدمةً مصطلحات فضفاضة وغير معرّفة.

الجرائم الإلكترونية لسنة 2023: أين المشكلة؟

يشمل مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023 جرائم تقنية المعلومات؛ مثل الاختراق وانتحال الشخصية، وجرائم الأموال والابتزاز الجنسي والتحريض على الدعارة عبر الإنترنت. لكنه يتضمن كذلك جزءًا واسعًا من الجرائم المتعلقة بمسائل النشر وإرسال المعلومات عبر شبكة الإنترنت، بما فيها جرائم الذم والقدح والتحقير (الواردة في المادة 11 من القانون الساري) مضافًا إليها «الأخبار الكاذبة»، وبحيث تشمل منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات إلى جانب المواقع الإلكترونية، مع عقوبة بالحبس لا تقل عن ثلاثة أشهر بالإضافة إلى غرامة تتراوح بين 20 و40 ألف دينار.[1]

كما جرّم مشروع القانون كل من «أشاع أو نسب قصدًا دون وجه حق إلى أحد الأشخاص عن طريق الإنترنت أفعالًا من شأنها اغتيال شخصيته»، مع عقوبة بالحبس لا تقل عن ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى غرامة تتراوح بين 25 و50 ألف دينار.[2] فضلًا عن إضافة جرائم جديدة منها التبرعات والصدقات عبر الإنترنت بغير ترخيص، و«إثارة الفتنة أو النعرات أو النيل من الوحدة الوطنية أو الحض على الكراهية أو الدعوة إلى العنف أو تبريره أو ازدراء الأديان»،[3] وجرائم التشهير من قبيل «نشر تسجيلٍ أو صورة أو فيديو لما يحرص الشخص على صونه وعدم إظهاره أو كتمانه عن العامة بقصد التشهير أو الإساءة أو الحصول على أي منفعة».[4] وقد اقتُرحت لبعض هذه الجرائم عقوبات بالحبس لا تقل عن سنتين أحيانًا، مع غرامات تتراوح بحسب الجريمة بين 10 و50 ألف دينار.

تنتقد النائبة السابقة والأمينة العامة لحزب العمال الأردني رُلى الحروب الطريقة التي أعدّت بها الحكومة مشروع القانون؛ إذ لم تستشِر بخصوصه مؤسسات المجتمع المدني بما فيها نقابة الصحفيين ونقابة المحامين وجمعية الصحافة الإلكترونية وغيرهم. مضيفةً أن القانون استخدم مفاهيم لم تعرّف في القانون نفسه ولا في قانون العقوبات، ومن هذه المصطلحات مثلًا «ازدراء الأديان»، و«الحض على الكراهية» الذي قد يؤدي استخدامه إلى الخلط بين هذا المفهوم والنقد السياسي للمسؤولين، مقترحةً العودة إلى المبادئ العالمية الراسخة التي عرّفت أركان جرائم الكراهية: «إنما إنت تترك للقضاة يتحزّروا على كيفهم شو هو تعريف الكراهية؟».

ويرى خالد القضاة، عضو نقابة الصحفيين، أن مواد القانون لا يمكن إلا أن تنطبق على الصحفيين بسبب خصوصية الصحافة الرقمية التي تنشر كل ما يرد في الجرائد والمواقع الإلكترونية على صفحات التواصل الاجتماعي. مضيفًا أن مصطلح «الأخبار الكاذبة» لا يحمل معنى دقيقًا، كما أنه ينسحب على أي مادة صحفية قد تحتوي أحيانًا معلومة غير دقيقة، ما سيؤدي إلى رقابة ذاتية على نشر الأخبار والاعتماد على بيانات المؤسسات دون متابعتها خوفًا من العقوبة. وتزيد الحروب على ذلك بالقول إنه يصعب نشر أخبار دقيقةٍ تمامًا في دول تفتقر إلى ما يكفي من الشفافية في ضخ المعلومات.

يشمل مشروع القانون جرائم تقنية المعلومات؛ مثل الاختراق وانتحال الشخصية، وجرائم الأموال والابتزاز الجنسي والتحريض على الدعارة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى قضايا النشر وجرائم الذم والقدح والتحقير و«الأخبار الكاذبة».

أما عن «اغتيال الشخصية» فيعتبر القضاة أن هذا مصطلح سياسي لا قانوني، ولم يردْ له تعريفٌ في مشروع القانون نفسه، متسائلًا عمّن سيحدد أركان اغتيال الشخصية وما إذا كانت ذات علاقة بشخصية عامة أو خاصة، مشيرًا إلى إفراط القانون في حماية المسؤولين ضد النقد وهو ما يتضح من خلال العقوبات المشددة على هذه الجريمة: «الاستغلال الجنسي 15 ألف دينار، بينما اغتيال الشخصية 50 ألف. يعني ما هو الأخطر على المجتمع؟».

من جهة أخرى، اعتبرت إحدى مواد مشروع القانون[5] أن الشخص المسؤول عن الإدارة الفعلية للموقع الإلكتروني أو صفحة التواصل الاجتماعي أو أي حساب أو صفحة عامة أو مجموعة أو قناة أو ما يماثلها مسؤول عن المحتوى غير القانوني ويعاقب عن الجرائم التي ترتكب عليها بالعقوبة المقررة لفاعل الجريمة. وقد استثنى القانون من هذه الأحكام كلًا من الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية العامة، إضافة إلى الحسابات الشخصية، ما لم يثبت امتناع مالك الحساب الشخصي أو المسؤول عن إدارة الصفحات عن إزالة المحتوى غير القانوني بناء على طلب الشخص الذي وُجهت إليه الإساءة.

ترى الحروب أن هذه المادة تجرّم مسؤولي الصفحات باعتبارهم مسؤولين عن التعليقات، وأن استثناء مسؤولي المؤسسات العامة منها هو تمييز صريح بين الأردنيين. أما القضاة فيعتبر أن الحكومة تسلك في هذه المادة مسلكًا قديمًا عندما اعتبر القانون المعدل لقانون المطبوعات والنشر 2012 التعليقات مادةً صحفية مسؤولة من مالك الصحيفة ورئيس تحريرها، والتي أجبرت عددًا كبيرًا من المواقع الإخبارية على إغلاق التعليقات على مواقعها. مضيفًا أن كاتب هذه المادة لا يدرك عدم واقعيتها وصعوبة تطبيقها، خصوصًا أن المؤسسات الإعلامية المعنية بالنشر المستمر على مواقع التواصل الاجتماعي لن تكون لديها الإمكانيات المالية لتوظيف عدد هائل من الأشخاص لمراقبة التعليقات وفلترتها يدويًا.

على الطرف المقابل، يرى النائب عمر العياصرة أنه من المهم تشريع قانون يسيطر على الفضاء الرقمي معتبرًا أنه مجتمعٌ بحد ذاته ولديه جرائمه وأخطاؤه، وأن تركه بدون تنظيم يهدد مصالح كثير من الناس، وهو ما ينسحب برأيه على جرائم الحماية المعلوماتية والجرائم المتعلقة بالنشر والتعبير على الإنترنت، قائلًا إن «الناس على العالم الافتراضي تستسهل الذم والقدح».

ومع ذلك، يؤكد العياصرة على ضرورة أن تأخذ اللجنة القانونية النيابية بعين الاعتبار المحاذير المتعلقة بالحريات، كما يدعو إلى النظر إلى كل مادة في مشروع القانون على حدة، معتبرًا أن القانون بعد إعادة ضبط العقوبات بما يتوافق مع حجم الجريمة سينظم «عملية الإساءة الإلكترونية»، كما سيقلل من نشر الأخبار الكاذبة.

من جهته، يتفق النائب ينال فريحات مع مقترحات الإبقاء على المواد التي لا تمسّ حرية الرأي والتعبير، أما هذه الأخيرة فيرى أن القانون استخدم لها مصطلحات فضفاضة لها أكثر من وجه، بما في ذلك مواد الذم والقدح والتحقير الموجودة في القانون الساري، قائلًا إن الممارسة العملية في الأردن أثبتت استغلال هذه المفاهيم للتضييق على حرية الرأي والتعبير. مشيرًا كذلك إلى «تشدد كبير وغير مبرر» في العقوبات المقترحة في مشروع القانون، إذ تضاعفت بعض العقوبات أكثر من خمسين مرة عمّا كانت عليه، معتبرًا أن المشروع عبارة عن رسائل تخويف للمجتمع للحدّ من حرية التعبير عن الرأي. محذرًا من خطورة مضاعفة العقوبة في حال تعدد «الضحايا»: «يعني إذا واحد انتقد أكثر من مسؤول، كل مسؤول إله عقوبة لوحده».

لا تقف المحاذير من مشروع القانون عند هذا الحد، بل يضاف إليها مضاعفة العقوبة على المتهمين في مثل هذه القضايا من خلال التوقيف. يشير الصحفي والخبير في قوانين الإعلام يحيى شقير إلى ضرورة التنبّه إلى أن بعض المواد في القانون وضحت الحد الأدنى للعقوبة دون أن تحدد حدها الأعلى، أي أن الجريمة في هذه الحالة تعد جنحة حدها الأقصى ثلاث سنوات،[6] ما يعني في هذه الحالة السماح بتوقيف المتهم.[7]

ويعتبر شقير أن من أوجه المبالغة في القانون (الساري والمشروع) تعامله مع الذم والقدح والتحقير على الإنترنت باعتبارها جرائم متساوية تقع العقوبة نفسها على مرتكب أي منها، رغم أن قانون العقوبات يعدّ كل منها جريمة مختلفة من حيث الشدّة، ولكل منها عقوبتها. كما أن العقوبات تتفاوت بين قانون الجرائم الإلكترونية وقانون العقوبات، حيث إن عقوبة التحقير في قانون العقوبات هي الحبس لأسبوع، أما في الجرائم الإلكترونية فلا تقل عن ثلاثة أشهر بالإضافة للغرامة، يقول شقير إن «الأصل أن القانون يحمي حق، دون تفريق بوسيلة ارتكاب الجريمة».

إضافة إلى مضاعفة العقوبات، يلزم مشروع القانون بالجمع بين عقوبتي الحبس والغرامة، وهو ما يفتقر إلى أسس «التفريد العقابي»؛ أي الصلاحية والمرونة التي تمنح للقاضي لاختيار عقوبة الحبس وحدها، أو الغرامة وحدها، أو كليهما بحسب ما يراه القاضي مناسبًا لحالة مرتكب الجريمة، بحسب تفسير شقير.

إلى جانب ذلك، ينتقد شقير ما ورد في مشروع القانون حول جرائم الذم والقدح والتحقير الموجهة إلى إحدى السلطات في الدولة أو الهيئات الرسمية أو الإدارات العامة أو إلى أحد أعضائها أو إلى أي موظف عام أثناء قيامه بوظيفته أو بسبب ما أجراه بحكمها، حيث تلاحق هذه الجرائم بحسب مشروع القانون من قبل النيابة العامة دون الحاجة إلى تقديم شكوى أو ادعاء بالحق الشخصي، أي أن القانون يفرّق بين موظفي الدولة وباقي الأردنيين بحسب شقير: «الأصل إني بحمي شرف واعتبار الأردنيين، بغض النظر عن وظائفهم». مضيفًا أن القانون حرم موظفي الدولة، ممن قد لا تكون لديهم الرغبة برفع قضايا بحق الأفراد، من اتخاذ هذا القرار وقامت بإعطاء المدعي العام الصلاحية بتحريك الشكاوى. وهو ما يرى فيه النائب فريحات إصرارًا على توسيع دائرة الجرائم المتعلقة بحرية التعبير، وهو ما سيؤدي إلى إرهاق السلطة القضائية: «خصوصًا وأننا نعلم إنه الأمور فيها اكتظاظ كبير وعدم قدرة على متابعة الكم الهائل من القضايا، فكيف لو تم ملاحقة المواطنين على حرية الرأي والتعبير؟».

تشير الحروب إلى أن العقوبات في مشروع القانون، والتي قد تطال أشخاصًا عبروا عن آرائهم فحسب، لا تقتصر على الغرامات المالية والحبس فقط، بل قد يضاف إليها التعويض المدني الذي قد يطالب به المشتكي، فضلًا عما منحه مشروع القانون من صلاحيات للمحكمة في مصادرة الأجهزة، وإغلاق المحل المستخدم لارتكابها، ووقف أو تعطيل أو حجب الموقع الإلكتروني المستخدم في ارتكاب أي من «الجرائم» المنصوص عليها في القانون للمدة التي تقررها المحكمة، وهو ما يعتبره القضاة تهديدًا بإغلاق المواقع الصحافية عند مخالفتها أيًا من أحكام القانون.[8]

أخيرًا، يعتبر القضاة أن مشروع القانون يحصّن الشخصيات العامة ضد النقد، ويتناقض مع الإصلاحات السياسية، ما سينعكس على المنظومة السياسية والحياة الحزبية في الأردن، وهو ما من شأنه تعزيز الفساد والمسّ بالعدالة، وأن القانون في حال إقراره كما هو قد يكون مخالفًا للدستور من ناحية حق الأردنيين في مخاطبة السلطات العامة في الأمور الشخصية والشؤون العامة، وكذلك عدم جواز تأثير القوانين على جوهر حقوق الأردنيين وحرياتهم. من جهتها، ترى الحروب أن المواد ذات العلاقة بحرية الرأي والتعبير في مشروع القانون «ستؤدي إلى إنه لن يتحدث أحد في الأردن، لا حزبيّ، ولا صحفي، ولا مواطن».

  • الهوامش

    [1] المادة 15 من مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023.

    [2] المادة 16 من مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023.

    [3] المادة 17 من مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023.

    [4] المادة 19 من مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023.

    [5] المادة 25 من مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023.

    [6] تنص المادة 26 من قانون العقوبات على اعتبار الحد الأقصى للحبس ثلاث سنوات عندما لا يعين الحد الأقصى للعقوبة.

    [7] ينص قانون أصول المحاكمات الجزائية في المادة 114 (البند 3) على أن أحكام التوقيف المنصوص عليها بالقانون تنطبق على الجنح التي تزيد مدة الحبس فيها على 3 سنوات.

    [8] المادة 31 من مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية