زلزال المغرب: كارثة طبيعية تفاقمها سياسات نيوليبرالية

الخميس 14 أيلول 2023
الهزة الارتدادية التي ضربت قرية إيمي نتالا المغربية، في 13 أيلول 2023.

في الساعات الأخيرة من ليلة الثامن من أيلول 2023، ضرب زلزال بقوة سبع درجات على سلم ريختر، أحواز مدينة مراكش (الحوز وشيشاوة)، وامتد إلى مدن صغيرة أخرى (تارودانت، أزيلال، وارزازات)، بينما عرفت جل المدن الأخرى هزات خفيفة. حتى مساء يوم 13 أيلول، خلّف الزلزال 2946 قتيلًا وأكثر من 5674 مصابًا حسب الأرقام الرسمية. وتركزت أغلب الوفيات في أقاليم الحوز (1684 قتيلًا) وتارودانت (980) وشيشاوة (202)، فيما بلغت وفيات مدينة مراكش 18 قتيلًا.

أصاب الزلزال عمق العالم القروي بالمغرب، هذا المجال الذي طالما جرى التنويه بالسياسة الرسمية لتنميته وأُحدِث صندوق خاص لذلك، باسم صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، يشرف على تنفيذ «برنامج من أجل تعزيز ديمقراطية الولوج إلى البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية» بميزانية تناهز 50 مليار درهم، ممولة من المانحين الدوليين، وعلى رأسهم الصندوق السعودي للتنمية وصندوق الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى دعم الاتحاد الأوروبي في الفترة بين 2019 و2023 في إطار التعاون الدولي لدعم ميزانية الدولة.

تكشف الأرقام الرسمية فداحة الفقر القروي الذي تعرضه الأزمات والكوارث (من كوفيد- 19، إلى التضخم، إلى حرب أوكرانيا) تحت كشافات الإعلام. حسب آخر تقرير مفصل للمندوبة السامية للتخطيط الصادر سنة 2014، تكون ظاهرة الفقر متعدد الأبعاد ظاهرة قروية بامتياز، حيث يعيش 85.4% من مجموع الفقراء المغاربة بالوسط القروي سنة 2014 مقابل 80% سنة 2004، ويضيف التقرير أن «مراكش آسفي هي الجهة التي تضم أكبر عدد من الفقراء بالمغرب». وفي مذكرة نشرتها المندوبة نفسها في 2022، جاء أن «حوالي 3.2 مليون شخص إضافي تعرضوا إلى الفقر (1.15 مليون شخص) أو إلى الهشاشة (2.05 مليون شخص)، تحت التأثير المزدوج للأزمة الصحية المرتبطة بكوفيد- 19 والتضخم»، دون أن تعطي المذكرة تفاصيل حول توزع معدل الفقر بين المجالين الحضري والقروي.

يمثل الحوز وشيشاوة نموذجين حيين من أقاليم أغلبها مجالٌ قروي، حيث ضرب الزلزال بعنف جعلته عقود من التهميش -رغم الدعاية الإعلامية الرسمية الجبارة- أكثر تدميرًا وفتكًا.

يبعد إقليم الحوز 40 كلم عن مدينة مراكش. ويضم نحو أربعين مدينة وبلدة في جنوب غربي المغرب، ويمتاز بطابعه الجبلي والقروي، ويعتمد سكانه البالغ عددهم نحو 600 ألف نسمة (إحصاء 2014) على أنشطة اقتصادية متنوعة، أبرزها الزراعة المعيشية والصناعة التقليدية والسياحة. تتحدث مواقع محلية عن «تسويق الفقر والفقراء كمنتوج سياحي» في الإقليم، فـ«السياحة القروية بالمغرب، تستهدف سُياحًا من الدرجة الثالثة والرابعة، الذي يبحثون عن الأثمنة الرخيصة… ولذا يقصد هؤلاء تلك المناطق المهمشة تنمويًا، والتي صار فيه الفقر ومظاهره منتوجًا سياحيًا قابلًا للتسويق، وقادرًا على جلب السياح… فمعظم السياح الأوروبيين والأمريكيين لم يسبق لهم أن عاشوا الفقر، بالمواصفات التي يوجد بها عندنا في المغرب، ولم يسبق لهم أن شاهدوه أو عاينوه، ولذا تشكل العديد من مناطق المغرب القروي وجهات سياحية مفضلة، قصد معاينة الفقر والفقراء عن قرب والوقوف على كل تجلياته، وكأن الدولة المغربية تقوم بالحفاظ على تهميش تلك المناطق وضمان استمرار الفقر فيها، كتراث وطني، وتعمل على تثمينه وتنميته وازدهاره، ثم تسويقه سياحيًا، لجلب المزيد من العملة الصعبة». وقد زكّى هذا الكلام صرخة أحد المتضررين من الزلزال بقول: «الدولة تمنعنا من البناء بالإسمنت، وتفرض علينا البناء بالتراب كي يأتي السياح ليصورونا».

أما إقليم شيشاوة، فيقع قرب مراكش وتعد مدينة شيشاوة الصغيرة عاصمته، ويبلغ عدد سكانها 339,818 نسمة (بحسب إحصاء 2014). يعيش %90 من سكان الإقليم على الفلاحة المعيشية، لكنه تعرض مؤخرًا لغزو البيوت البلاستيكية الرأسمالية الكبرى، حيث تُزرع منتوجات تسويقية وتصديرية. لا يزال العديد من قرى الإقليم يعيش في عزلة، تلعب حسب موقع «هوامش»، «دورًا حاسمًا في حرمان الأسر من الخدمات. بالنسبة للبعض، يُعدُّ السوق الأسبوعي حلقة الوصل الوحيدة بالعالم الخارجي، غير أن مشكل النقل تظل عائقًا حاسمًا. في غالب الأحيان، يتكدس ما يناهز 30 شخصًا في عربة واحدة «للنقل المزدوج» وهي سيارات قديمة من نوع «ميرسيديس» fourgon 307 و308، مخصصة لنقل البضائع، لكنها تنقل السّكان والدواب في المناطق الأكثر عزلة في البلاد».

سياسات «غياب» الدولة

فاقم «غياب» الدولة آثار وعواقب كارثة الزلزال، وغيره مما سبق من كوارث (كحرائق العرائش سنة 2022). يتحدث «النموذج التنموي الجديد»[1] عن «عودة الدولة القوية»، إلا أن هذا صحيح فقط عندما يتعلق الأمر بإنقاذ القطاع الخاص وحفزه ودعمه، كما وقع إبان وبعد جائحة كوفيد-19، إذ أعلنت الدولة عن خطة لإنعاش الاقتصاد (المقصود المقاولات) بغلاف مالي قدره 120 مليار درهم، بينما كان المبلغ المرصود لـ«الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا» هو 42 مليار درهم، صُرف منها 15.26 مليار درهم لدعم 5.5 ملايين أسرة، و6 مليار درهم تعويض الأُجراء والأجيرات والمستخدمين والمستخدمات الذين توقفت المقاولات حيث يشتغلون. تكشف تركيبة هذه الأرقام عن كنه «الدولة القوية» التي تحدث عنها «النموذج التنموي الجديد»: عكاز دائم يسند الرأسمال الخاص، ودعمُ مستهدِف ومحدود ومؤقت للكادحين والكادحات لتفادي الكارثة الاجتماعية من أجل ضمان السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي.

يمثل الحوز وشيشاوة نموذجين حيين من أقاليم أغلبها مجالٌ قروي، حيث ضرب الزلزال بعنف جعلته عقود من التهميش -رغم الدعاية الإعلامية الرسمية الجبارة- أكثر تدميرًا وفتكًا.

تعيد الخيارات الاقتصادية النيوليبرالية للدولة إعادة إنتاج التقسيم الاستعماري القديم بين «مغرب نافع» وآخر «غير نافع»، مع الإشارة إلى أن الأول يضم تناقضاته الخاصة بين مراكز المدن الكبرى حيث الاستثمارات موجَّهة لتجهيز بنية تحتية جبارة موجهة لاستقطاب الاستثمارات الخاصة، وهوامش حيث ملايين العمال والمهمشين. إن مؤشر «النافع» هنا يتعلق بمدى منفعة منطقة ما لمراكمة الأرباح. فالبنية الطرقية الحديثة والجبارة (مطارات دولية وطرق سيارة وقطارات وقطار سريع باسم البراق)، كلها مموَّلة بمالية عمومية من أجل حفز الاستثمار الخاص.

قنَّن دستور 2011 الخيارات النيوليبرالية المرساة منذ فرض صندوق النقد لدولي لبرنامج التقويم الهيكلي سنة 1983. فأصبح تنصل الدولة من مسؤوليتها الحصرية في التدخل في لحظات الكوارث مبدأً دستوريًا، وهو ما يُطلَق عليه في أدبيات البنك الدولي «مراجعة دور الدولة». ينص الفصل 40 من الدستور على أن: «على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد». ومن هنا حجم الدعاية والتهليل الرسميين لمبادرات التضامن الشعبية التي انطلقت بشكل عفوي. ولكن في نفس الوقت، هناك تخوف من تلك المبادرات الشعبية غير المؤطَّرة، فتجمع آلاف المواطنين لجمع وتوزيع المعونة بالنسبة لدولة حكمٍ فردي هو عبارة عن تجمع غير مرخص غير مأمون الجوانب. وفعلًا سرعان ما تسرب الغضب الشعبي من شقوق غياب الدولة، وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي وسم «المغرب بشعبه وليس بحكومته»، وسُجلت حالات منع رجال السلطة قوافل التضامن من المرور بمبرر انعدام ترخيص.

تعامل الدولة مع الكوارث: التأمين بمنطق السوق

تفضل الدولة -تحت حفز من المؤسسات المالية الدولية- منظور التعامل البَعدي مع الكوارث، بدل الوقاية والاستباق. يقوم هذا المنظور على آليات «التأمين والتعويض» الموصى بها من تلك المؤسسات. وهو توجه يركز على «أنشطة التعافي اللاحقة»، على حد تعبير البنك الدولي.

منذ سنوات والبنك الدولي يدعم (بقروض) برامج «التأمين ضد المخاطر» السائرة بمنطق السوق بدل الخدمة العمومية، خصوصًا وأن المغرب حرر منذ 2006 سوق التأمينات ومنذ ذلك التاريخ لم تعد أقساط التأمين مُدرجة ضمن قائمة السلع والمنتوجات والخدمات المقننة أسعارها. ففي سنة 2016 اعتمدت الدولة المغربية نظام التأمين ضد مخاطر الكوارث، وفي أيلول 2019 أصدرت مرسومًا يقضي بإلزامية إدراج الضمان ضد عواقب الوقائع الكارثية في عقود التأمين، وآخر ينص على إحداث رسم التضامن ضد الوقائع الكارثية. وبنفس منطق «الحماية الاجتماعية»، كما يروج لها البنك الدولي، يقوم نظام التأمين هذا على ازدواجية: نظام خاص بالقادرين على الأداء، أما من يعيشون في الفقر المدقع، فخُصِّص لهم-ن «صندوق تضامن ضد الوقائع الكارثية»، مموَّل في جزء منه عبر المالية العمومية، وفي جزء آخر عبر رسوم شبه ضريبية سميت «ضريبة التضامن». أي أن مهمة التأمين ضد مخاطر الكوارث أوكلت إلى شركات التأمين.

تفضل الدولة منظور التعامل اللاحق مع الكوارث، بدل الوقاية والاستباق. ويقوم هذا المنظور على آليات «التأمين والتعويض» الموصى بها من المؤسسات الدولية. وهو توجه يركز على «أنشطة التعافي اللاحقة».

هذه هي الخلفية الحقيقية لفهم ما جرى في زلزال الثامن من أيلول 2023: انطلاقة شعبية تلقائية نحو أعمال الإغاثة والإسعاف، ودولة تعقد مجلسًا حكوميًا لإصدار مرسوم بإحداث صندوق تدبير آثار الزلزال. طبعًا هذا لا يعني أن الدولة لم تتحرك إطلاقًا، فذلك قد يطيح بـ«هيبتها» إلى الحضيض. فقد عبأت الدولة أزيد من 1000 طبيب (من القطاعين العمومي والخاص) وحوالي 1500 ممرض-ة، ومختلف المستشفيات القريبة من المناطق المتضررة، وكذا الآليات وسيارات الإسعاف. ولكن هذا بدوره يدخل في إطار المبدأ الدستوري القائل «بتناسب الوسائل التي يتوفر عليها الجميع»، وهو مغزى تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس القائل إن «كافة المصالح المدنية والعسكرية تبذل أقصى جهودها من أجل إغاثة المتضررين». فكيف يمكن تبرير واقع تفوق المبادرات الشعبية العفوية على «أقصى جهود دولة ممركَزة التنظيم»؟

تتدخل كذلك عوامل سياسية في وجه التضامن الدولي، إذ رفض المغرب استقبال مساعدات من فرنسا وألمانيا. ويعود فتور العلاقات بين المغرب وفرنسا إلى رفض الأخيرة الانضمام إلى موقف الولايات المتحدة و«إسرائيل» من قضية الصحراء الغربية. إضافة إلى رفض المغرب تلقي المساعدات من الجزائر، وفق وزارة الشؤون الجزائرية، بعدما أبلغ المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية المغربية القنصل الجزائري في الدار البيضاء بأنه «بعد التقييم، فإن المملكة المغربية ليست بحاجة الى المساعدات الإنسانية المقترحة من قبل الجزائر».

تضامن شعبي من أسفل ومحاولات لتسريع إنهائه من فوق

أمام جمود أجهزة الدولة، انطلقت قوافل التضامن الشعبي، بداية من مناطق «الريف» بشمال المغرب، وهي التي شهدت فيها مدينة الحسيمة زلزالًا عنيفًا سنة 2004، واندلعت تظاهرات حاشدة آنذاك ضد تقاعس الدولة عن التدخل بعد الكارثة.

وفي وجه موجة التضامن الشعبي الهائلة هذه، بادرت الدولة إلى تأطيرها من فوق عبر آلية معهودة: إحداث صندوق خاص سُمي «الصندوق رقم 126 الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذي عرفته المملكة المغربية». وسيُموَّل الصندوق من التبرعات ليتكفل بتمويل إعادة تأهيل وبناء المنازل المدمرة، والأشخاص في وضعية صعبة، فضلًا عن النفقات المتعلقة بتشجيع الفاعلين الاقتصاديين بهدف الاستئناف الفوري للأنشطة على مستوى المناطق المعنية.

بالنسبة للدولة، يجب الإسراع في إنهاء أعمال الإنقاذ والتموين بالمعونات، لتتاح لأعمال الإعمار فرصة البدء. هذا هو مفاد تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة: «إن جهود جميع الجهات الرسمية في المغرب تنصب حاليًا على الانتهاء من المرحلة الأولى المتعلقة بجهود الإغاثة تمهيدًا للانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار». والترجمة الحرفية لهذا التصريح هي: فلتتكفل مبادرات التضامن الشعبي والتبرعات لصندوق تدبير آثار الزلزال بـ«جهود الإغاثة» غير المُجزية والتي يجب أن تنتهي بسرعة، كي يتأتى لشركات العقار والبنوك تسريع «الانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار».

يتطابق هذا النهج مع العقيدة النيوليبرالية المتبناة من طرف الدولة منذ عقود، وشعارها: «تشريك الخسائر وخصخصة الأرباح». فالدولة وأصحاب الأعمال يرفضون أي حديث عن صناديق مموَّلة عبر آلية التضريب، ويفضلون تبرعات يحددون هم مبالغها، وفي نفس الوقت يظهرون بوجه المساهم في تخفيف آلام ضحايا الكوارث، ويخفون حجم التربح الذي يبلغونه حتى في عز الكوارث. أفضل مثال على ذلك حالة عزيز أخنوش، رئيس الحكومة الحالي، الذي تبرع لصندوق مواجهة آثار كوفيد-19، وفي نفس الوقت حققت شركته أرباحًا خيالية من احتكار بيع «الأكسجين» للمؤسسات الاستشفائية.

المؤسسات الدولية: دموع التماسيح

بعد الزلزال، أصدر البنك الدولي بيانًا تضمن تضامنه مع الشعب المغرب، منهيًا إياه بعبارة «ينصب تركيزنا الوحيد في هذه اللحظة على مساندة الشعب المغربي والسلطات التي تتعامل مع هذه المأساة». لكن كل السياسات النيوليبرالية التي تفاقم آثار الكوارث الطبيعية من إملاءات المؤسسات المالية الدولية ومن ضمنها البنك الدولي. وقد تكفل زلزال الثامن من أيلول بكشف كل أبخرة دعاية تلك المؤسسات والدولة عن المغرب المتقدم وبنيته التحتية الجبارة، وأظهر أن هذه الأخيرة موجَّهة بالدرحة الأولى لاستقطاب الاستثمارات الخاصة (الأجنبية بالخصوص)، وهو ما لا تخفيه الوثائق الرسمية للدولة. حتى المنظور الخاص بمواجهة مخاطر الكوارث القائم على مبدأ «التأمين والتعويض» والمبني على آليات السوق هو أيضًا من إملاءات هذا البنك ومموَّل بقروضه.

ووسط أجواء الكارثة، قرر البنك الدولي- بمعية شقيقه صندوق النقد الدولي- عقد اجتماعهما السنوي في تشرين الأول 2023 في مراكش، حيث تعتزم هاتان المؤسستان استعراض سياساتهما الموجهة لتعزيز نمو يحارب الفقر. مراكش التي تشكل «قاعة حفلات أغنياء» العالم هي ذاتها التي شهدت أحوازها دمارًا هائلا من زلزال فاقمت سياسات البنكين آثاره ومخاطره، بالنظر لغياب بنية تحتية طرقية واستشفائية كافية لإغاثة منكوبي- ات الزلزال.

ورغم المأساة، يصر المغرب على عقد ذلك الاجتماع، إذ صرح مصدران (طلبا عدم ذكر اسميهما) لوكالة «رويترز» بأن «الحكومة المغربية تريد المضي قدمًا في استضافة الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي المقررة في أكتوبر في مراكش رغم الزلزال المدمر الذي شهدته البلاد»، في حين لم يصدر بعد أي قرار رسمي من البنك والصندوق حول مآل اجتماعهما السنوي، وإن كان إلغاؤه مستبعًدا. ففي حادثة سابقة، حضر أكثر من 11 ألف مشارك مؤتمرًا للبنك الدولي وصندوق النقد في بالي في إندونيسيا بعد أسبوعين فقط من وقوع زلزال بقوة 7.5 درجات وتسونامي ضرب منطقة سولاويزي في البلاد، ما أسفر عن مقتل أكثر من 4300 شخص. فالمغرب بالنسبة للمؤسستين حليف استراتيجي يتمتع باستقرار سياسي لا مثيل له في منطقة تغلي بانهيارات دول وأزمات سياسية وإرهاب. أما دولة المغرب من جانبها، فتصر على عقد الاجتماع السنوي لنيل شهادة تقدير تستعملها لمزيدِ ولوجٍ إلى أسواق التمويل الدولية والقروض، وجلب الاستثمارات الأجنبية.

في الحاجة إلى تضامن شعبي خلاق

أظهرت موجة التضامن التلقائية أن قيم الانتماء الجماعي والتضامن والتعاون لا تزال راسخة، وإن كانت مشوَّهة بفعل ثقافة سوق راسخة منذ عقود، فضلًا عن إعاقة الدولة للمبادرات الشعبية.

لكن هذا التضامن الشعبي اعترته أوجهُ قصور عديدة، إذ أدى افتقاده إلى آليات تنظيم منسَّق على المستوى الوطني إلى التفاوت في استهداف مناطق بعينها دون أخرى، والإفراط في توزيع مواد بعينها دون غيرها. كما أدت نقطة القصور تلك إلى سرعة سطو قوى غير شعبية على موجة التضامن تلك، وعلى رأسها منظمات المجتمع المدني الموالية للدولة والمموَّلة في أغلبها من طرف منظمات موالية للبنك وصندوق النقد الدوليين.

لكن ذلك التضامن أظهر أن القريحة الشعبية لا تنضب وأنها جمرة تحت رماد الإفساد النيوليبرالي والقمع الدولتي. وكل ما تحتاجه هو تنظيمها ومركزتها بتدخل منظمات المجتمع المدني (وعلى رأسها النقابات العمالية) التي تدافع عن منظور آخر للمجتمع: مجتمع التعاون والتضامن الإنسانيين المناهض لمجتمع السوق القائم على التنافس.

  • الهوامش
    [1] تقرير صدر في نيسان 2021 عن لجنة عينها الملك بحفز من البنك الدولي، وتضمنت المحاور الكبرى للنموذج الاقتصادي الذي تريد الدولة تنفيذه، وهو لا يخرج عن نفس ترسيمات النموذج النيوليبرالي القائم في البلد منذ عقود.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية