رأي

لماذا لا يُسقط مجلس النواب الأردني الحكومة؟

الخميس 01 آذار 2018
من صفحة رئاسة الوزراء على فيسبوك

بعد نجاة وزارة هاني الملقي من سحب النواب لثقتهم منها، أصدر الملك إرادته بإجراء تعديل وزاري طال ثلث أعضاء الحكومة. ما أفقد الثقة الممنوحة من النواب للحكومة معناها الدستوري، خاصة أن مذكرة طرح الثقة كانت بالوزارة كلّها وليس بأحد الوزراء. فما معنى أن تُقبل استقالة ثمانية وزراء بعد أن رفض المجلس بأغلبية 56% من النواب الحاضرين سحب الثقة من الحكومة بما فيها الوزراء الثمانية المغادرين لكرسي الحكم؟

الأمّة مصدر السلطات، كما ينص الدستور، والأمة هي الشعب، والشعب يمارس إرادته من خلال مجلس النواب المنتخب، و«الدستور الأردني لا يعطي سلطة إلا لمن ينتخبه الشعب»، كما يقول الدكتور محمد الحموري في كتابه المتطلبات الدستورية والقانونية، والحكومة التي لا تحصل على ثقته وجب عليها الاستقالة بنص الدستور، وصلاحيات الملك في تعيين الوزراء وإقالتهم وقبول استقالتهم مرهونة بثقة مجلس النواب، وفي حالتنا هذه لم  يسحب النواب الثقة من الحكومة أو بأحد الوزراء المغادرين.

وعلى العكس، لم يحظ الوزراء الجدد بثقة المجلس «ممثل الشعب»، وهم ليسوا من الأغلبية البرلمانية  أو من المحسوبين عليها -إن وجدت- كما لم يتم التشاور مع المجلس في تعيينهم، ونظرًا إلى تهميش الركن النيابي في نظام الحكم، والعمل على تغييب الأغلبية البرلمانية والحزبية في المشهد السياسي، أصبح قرار الملك وتنسيب رئيس الوزراء، ورأي الأجهزة الأمنية هو الأساس في تعيين الوزراء وإقالتهم.

ما معنى أن تُقبل استقالة ثمانية وزراء بعد أن رفض مجلس النواب سحب الثقة من الحكومة بما فيها الوزراء الثمانية المغادرين لكرسي الحكم؟

وإلى الآن، لا زلنا لا نعرف لماذا غادر هؤلاء الوزراء الثمانية بعد استمرار ثقة مجلس النواب في الحكومة ومن فيها. هل كان الوزراء الخارجون في التعديل مقصّرين في الواجبات الموكولة إليهم؟ وإذا كان ذلك، فلماذا لم يحاسبوا؟ أو يسمح لمجلس النواب بشرف ممارسة صلاحياته الدستورية ليس بإسقاط الحكومة بل بإسقاط الوزراء الثمانية «في حال تقصيرهم» وهذا أضعف الإيمان؟ إذ أجاز الدستور لرئيس الوزراء طلب عقد جلسة الثقة بأي من وزراء حكومته.

ما زالت الذاكرة السياسية الأردنية لم تمح حل الملك الحسين لمجلس النواب السابع عام 1963، بعدما أعلنت الأكثرية حجب الثقة عن وزارة سمير الرفاعي -الجد-، وسجن بعض النواب ممن حجبوا الثقة لاحقا بتهم «التحريض على المظاهرات وأعمال الشغب والفتن»، وبعدها لم يجرؤ أي مجلس نيابي على تكرار الأمر، لأن سيف الحل مسلط على رقبة المجلس.

وبالنظر إلى هذا الواقع، فإن مجلس النواب قد تمّ تقزيمه، وتقزيم دوره الأساسي في نظام الحكم، وغدا منفصلا عن إرادة الأمة.

وفي البال أيضا، ذكريات الأمس القريب، ففي عام 1991 أبدى الملك الحسين استعداده لحل مجلس النواب، عندما وَقّع 49 نائبًا مذكرةً لحجب الثقة عن وزارة طاهر المصري اليتيمة، عنوانها «الحكومة لم تعد تتمتع بثقة مجلس النواب». لكن طاهر المصري عارض ذلك حسبما يقول «من الظلم أن نضحي بهذا المكسب -يقصد الديمقراطية- ومن الخطأ تدمير ما بنيناه في مرحلة التحول الديمقراطي»، ليستقيل بعدها.

صلاحيات من الملك أم من الدستور؟

أوضحت جلسة التصويت على الثقة بوزارة الملقي، أن هناك قناعة لدى بعض النواب، أن الحكومة هي حكومة الملك، فالنائب خالد أبو حسان قال ذلك صراحة في الجلسة: «على الرغم من الإساءة التي مُنيت بها من هذه الحكومة إلا أنني أمنح الثقة لحكومة جلالة الملك».

يُعزز ممارسات النواب، الفهم الخاطئ للمادة 26 من الدستور إذ تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه، وهذا ما أشار له الحموري في كتابه حيث «أصبح المفسرون ورؤساء الوزارات يعلنون أن الحكومات تمارس سلطتها بتفويض من الملك، أي أن صاحب السلطة الأصيلة هو الملك، وهو الذي يفوّض الحكومة بممارسة السلطة، حتى غدا رئيس الوزراء والوزراء فاقدي استقلالية القرار أمام الملك، رغم أنهم أصحاب الولاية العامة في الحكم»1.

ويبدو أن رجال القصر والمستشارين كرّسوا هذا الفهم الخاطئ أيضًا، فقد جاء في رسالة الملك الموجهة إلى رئيس الوزراء الأسبق عون الخصاونة بقبول استقالته: «دولة الأخ، لقد منحتك وحكومتك كل الصلاحيات والثقة والحرية التي تمكنكم من النهوض بالمسؤولية، على أمل أن يكون الإنجاز على قدر هذه الصلاحيات».

ويظهر لقرّاء الرسالة والرأي العام أن الحكومة تستمد صلاحياتها ومسؤولياتها من الملك وليس من الدستور، وأنها مسؤولة أمامه وليس أمام مجلس النواب. وذلك على خلاف الدستور الذي ينص بوضوح على أن مجلس الوزراء مسؤول عن إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وأن رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة، حتى أوامر الملك الشفوية والخطية لا تخلي الوزراء من مسؤوليتهم، سواء أكانت صائبة أم خاطئة. والتحجج برغبة الملك، أو «بأوامر من فوق» لا تصلح في دولة القانون، الشعب فيها مصدر السلطات، وفق دستور نيابي ملكي، يفصل بين «المُلْك المتوارث والسلطة المنتخبة»2.

لقد أنتج مطبخ القرار على مدى السنوات خللًا جسيمًا في التركيبة السياسية والتشريعية للدولة، أفرغت سلطة الشعب من مضمونها الحقيقي، واستقوت عليه، فلم يعد الأردنيون مصدرًا للسلطات، وهم يرون أن مجلس النواب لا يمثلهم، لذا تجدهم يطالبون بإسقاطه، والحكومة لا تمثلهم أيضًا، فهي غير منتخبة، وآليات تعيينها غير مؤسسية، وتحصل على ثقة مجلس النواب بمساعدة أجهزة الحكم وأذرعه الأمنية، ومجلس الأعيان الغرفة الثانية في البرلمان -الذي تُشترط موافقته لصدور القوانين- يعيّنه الملك منفردًا، وكذلك قائد الجيش ومدير المخابرات والدرك، ورئيس المجلس القضائي، وأعضاء ورئيس المحكمة الدستورية، ونائب الملك، وولي عهده، وبذلك تحول نظامنا السياسي من ملكية دستورية إلى ملكية رئاسية.

ما كان هذا ليحدث إلا بالإجهاز على مجلس النواب، وتقليم أظافره، عبر قوانين انتخاب قسّمت الأردنيين إلى بدو وحضر، وشركس وشيشان وعرب، ومسيحيين ومسلمين ، ونساء ورجال، وجعلت من النائب ممثلًا لحارة أو حي وليس نائبًا للأمة.

ومنذ عودة الحياة البرلمانية عام 1989 كان مصير المجالس النيابية الحل، رغم طاعة أغلبها للقصر والحكومة «المُعينة»، ليس هذه فحسب ما حطم الركن الأول في نظام الحكم، لصالح الركن الثاني غير المنتخب، فنظام الصوت الواحد المجزوء الذي أُقرّ بقانون مؤقت عام 1993 جعل من المجالس النيابية المتعاقبة ديكورًا سياسيًا لا أكثر، ويضاف إلى ذلك التضييق على الأحزاب، وتعطيل وصول أغلبية حزبية إلى قبة البرلمان، خوفًا من تجربة واحدة استمرت خمسة أشهر، شكلت فيها الأغلبية البرلمانية حكومة عام 1957.

خلاصة القول، أن الواقع السياسي الأردني في أسوأ حالاته؛ دستورٌ بدّل طبيعة نظام الحكم السياسي، وركز السلطة بيدٍ غير منتخبة، لا تمثل الشعب، ومحصنة من المساءلة والنقد، وقرار الأمن يسيطر على الفضاء العام، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وعلاقة مشوّهة بين مجلس النواب والحكومة، بين ضعيف وقوي، معطٍ ومستجدٍ، تبادل المنافع قانونها، ولم يعد ذلك سرًا على الشعب. النائب خالد الفناطسة استطاع خدمة ستة أشخاص بعد منح الثقة لوزارة الملقي بيوم واحد، وهذا ما قاله في ندوة عامة «لو حجبت الثقة ما بخدم واحد». هذا ما يلخص المشهد «حُكّلي بحكلك»!

_________________________________________________________________________

1)  الحموري، محمد، المتطلبات الدستورية والقانونية لإصلاح سياسي حقيقي لماذا..وكيف.

2)  المصدر السابق.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية