«الجامعة متنفس للبنت»: كيف أثر التعليم عن بعد على حياة الطالبات؟

الثلاثاء 15 حزيران 2021
من الجامعة الأردنية قبل الجائحة. تصوير خالد بشير.

غيّرت الدراسة الجامعية النمطَ اليومي الذي كانت تعيشه فائقة (20 عامًا)، إذ كانت حركتها قبل التحاقها بكلية الشريعة والقانون محدودة، «من باب البيت للمدرسة، ومن المدرسة للبيت» كما تقول. لكن التجربة الجديدة لم تطُل كثيرًا، فبعد فصلٍ دراسي واحدٍ من التعليم الوجاهي، أعلنت الحكومة تعليق دوام المؤسسات التعليمية والانتقال إلى التعليم الإلكتروني في الجامعات بسبب وباء كورونا.

كانت فائقة عند بدء دراستها الجامعية قد انتقلت من منزل أسرتها في العقبة لتسكن في منزل عمتها في عمّان، وأتاحت لها الجامعة مرونةً أكثر في ممارسة نشاطاتها اليومية، فقضاء الوقت مع صديقاتها خارج حدود المنزل أصبح متاحًا وبكل سهولة، وكثيرًا ما تجتمع بهن في كافتيريا مخصصة للطالبات داخل الجامعة، «حتى المنتقبة تشلح نقابها وتاخد راحتها، وكنت أطلع مع صاحباتي بعد المحاضرات ونروح نتغدى بمطعم أو نقعد بكافيه»، تقول فائقة.

يختلف هذا الوضع عما كانت تعيشه سابقًا أثناء المرحلة المدرسيّة عندما كان نشاطها خارج المنزل يقتصر على زيارة منزلية لإحدى زميلاتها في المدرسة. «بالجامعة طلعتي صارت سهلة، أهلي كانوا عارفين إنه بنتهم بالجامعة، وما كنت محتاجة أحكي أو أطلب إذن كل شوي مثل زمان»، تقول فائقة، مضيفة أنها ما زالت تُبلغ أهلها بخروجها ليعرفوا مكانها ويطمئنوا عليها، «الواحد ما بعرف شو بصير معه».

«بس هلأ مع الحجر، كله راح» كما تقول، هي التي صارت في عامها الجامعي الثاني، وكانت متشوقة لسنوات الدراسة الجامعية باعتبارها «أحلى سنين بعمر الإنسان وخاصة للبنت»، لكنها صارت تفتقد تفاصيل بسيطة تحبّها: «على مستوى إني أحمل كتبي بأيدي وأبيّن بنت جامعية بدل ما ألبس شنطة ظهر».

من ناحية أخرى، كانت فائقة تأمل، لأنها خجولة و«غير اجتماعية»، أن تتيح لها الحياة الجامعية انفتاحًا أوسع على المجتمع، إذ ترى فيها مكانًا لتطوير المهارات الاجتماعية، وليس مكانًا لتحصيل الشهادة العلمية فحسب، «مهاراتي الشخصية بلشت تتحسن، وخاصة إنه بالجامعة في تعامل مع بنات وشباب، وهذا بخليكي أقوى وأكثر جرأة (…) أنا حتى مع الدكاترة بستحي أحكي، تمنيت يظل الدوام بالجامعة لحتى أقدر أتخطى هالنقاط، هلأ كورونا خربت كل إشي».

بالمقابل، ترى أن الجائحة لم تؤثر من هذه النواحي على جميع الفتيات بالتساوي، فهي ترى صور بعض زميلاتها على وسائل التواصل الاجتماعي وهنّ يقضين الوقت معًا خارج منازلهن، «وأنا كمان عملت هيك كم مرة، اتفقت أنا وزميلاتي وطلعنا اشترينا كتب للجامعة».

«اخترت أظل في السكن الجامعي»

تبعًا لقرار تعليق الدوام الجامعي والانتقال إلى التعليم عن بعد، تناقصت أعداد الطالبات المقيمات في السكنات الجامعية -الداخلية منها والخارجية- في مختلف محافظات المملكة. ووصل الحال في بعض السكنات إلى إخلاء المباني بشكل كلي.

ومع أن معظم طالبات السكن في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، في مدينة الرمثا، غادرن غرفهن بسبب عدم انتظام التدريس واستيفاء الجامعة أجور السكن الداخلي منهن رغم عدم إقامتهن فيها، إلا أن بعض الطالبات رجعن إلى السكن في الشهور اللاحقة حتى مع استمرار توقف التعليم الوجاهي، وإحداهن هدى (22 عامًا) طالبة هندسة البرمجيات التي تسكن أسرتها في العقبة.

ترى هدى أن للسكن الجامعي دورًا في تطوير شخصية الفتاة، «إلي صاحبات ما بعرفوا الخمسة من الطمسة، صاروا يطلعوا وييجوا. واللي مش مفتّحة بحياتها وما بتعرف شي بتضطر تتعلم بس عشان تعيش».

مع صدور قرارات الحظر بداية الجائحة، عادت هدى فورًا إلى منزل أسرتها، ولم يبقَ في السكن إلا الفتيات المغتربات، وفقًا لها. لكنها سرعان ما قررت الرجوع إلى السكن، لأنها اعتادت بعد التحاقها بالجامعة والعيش في السكن -كما تقول- على الاستقلالية، وصار صعبًا عليها العودة إلى أسلوب حياتها السابق. «ببيت أهلي اختلف كل النظام، كل بيت إله نظامه وحرمته. السكن استقلالية، إنت بترتبي حياتك ووقتك وطلعتك ودراستك زي ما بدك، ووقتك بكون ملكك»، تقول هدى.

ومما اعتادت عليه هدى وصديقاتها -قبل الجائحة- الخروج في رحلة يومية يوفرها السكن، من الرمثا إلى أسواق إربد، حيث تستمر الرحلة بضع ساعات بعد انتهاء الدوام الجامعي، فصار الخروج لشراء الطعام والمواد الدراسية والحاجيات الأساسية ضرورة وأمرًا لازمًا في بيئة بعيدةٍ عن الأهل.

تقول هدى إن العديد من صديقاتها اخترن البقاء في السكن أيضًا، وهو ما يوفر لهن «امتيازات وتجربة حياتية متنوعة وثرية» حيث ينخرطن في الكثير من الأنشطة داخل الحرم الجامعي وخارجه، مشيرةً إلى أن الفتيات القاطنات في السكن يتمتعن بمساحة خاصة قد لا تتيحها لهن تجارب أخرى قبل حياة العمل.

«أهلي نوعًا ما محافظين» تقول هدى، لكنهم يثقون بها «بس بحدود»، فهي توافق على رفضهم أحيانًا خروجَها حتى لو كانت غير مقتنعة بمبرّراتهم، مضيفة: «الحياة الجامعية قبل كورونا كانت مختلفة تمامًا، والسكن خلاني أعمل أشياء مختلفة عمري ما عملتها بالبيت».

«لا أعرف الحياة الجامعية»

«كنت مليانة شغف وأحلام، كنت بستنى أبدأ الحياة الجامعية، وخاصة إني دخلت تخصص الإعلام اللي الكل عارضني عليه، وهو تخصص كله حركة وحياة، هلأ انطفيت ودخلت مرحلة اكتئاب»، تقول كارمن (19 عامًا) عن تأثير التعليم عن بعد عليها، هي التي لم تعرف التعليم الوجاهي إذ بدأت دراستها الجامعية بالتعليم عن بعد مطلع هذا العام، ليخالف الواقعُ تصوّرها سابقًا عن الحياة الجامعة. 

تقول كارمن إن أسرتها لا تمانع تنزهها أو تسوقها مع صديقاتها، لكنها كانت متشوقة للحياة الجامعية التي تتيح للفتاة حرية أكبر، بحسب ما أخبرنها مرارًا صديقاتها الأكبر سنًا، ما قد يمكّنها من الخروج من المنزل والقيام بنشاطات مختلفة كالتطوع، أو المشاركة في فعاليات لامنهجية، أو حتى التنزه وتناول الغداء في الخارج، على عكس ما كانت عليه حالها أثناء المرحلة المدرسيّة، «ماما بتخاف علي وما بترضى أطلع لحالي، الجامعة كانت رح تخليها تركن علي أطلع، وتحس إنه بنتها كبرت، وأنا متأكدة كانت رح اتيح إلي حياة منفتحة أكتر»، وتقارن حالها بحال أخيها الطالب الجامعي أيضًا: «بس طبعًا الأمور أسهل عليه متل باقي الشباب وبقدر يطلع أكتر»، تقول كارمن.

حاولت كارمن التأقلم مع الوضع الراهن، لكنها لم تنجح في ذلك حسبما تعتقد، إذ حاولت بناء صداقات مع زملائها في الدفعة، فوجدت أنه من الصعب بناء الثقة والعلاقات «أونلاين»، «هلأ أنا صاحبت بنتين من تخصص تاني، أما طلاب دفعتي بس بحكوا معي لمصلحة لما يكون في امتحانات».

«بطّل عندي دافع أدرس»

تدرس رهف (21 عامًا) التصميم الجرافيكي، وهو تخصص يحتاج -بحسبها- إلى قضاء الكثير من الوقت في مختبرات الجامعة وقاعاتها، حيث تطبّق عمليًّا أمام أساتذتها ما تعلمته نظريا، ويرشدونها بدورهم إلى الأخطاء التي قد تكون ارتكبتها، «أمّا الآن فهذا صعب نوعًا ما، بطّلت أطبّق اللي تعلمته بشكل عملي» تقول رهف، مشيرةً إلى أنها فقدت الأمل في تحصيل معدلٍ عالٍ. 

قبل الجائحة، كانت رهف تصل مبكرًا إلى محاضراتها، لكنها صارت الآن تتأخر عن المحاضرات «الأونلاين» على الرغم من أنها بعيدة عنها «كبسة زر».

إضافة إلى ذلك، كانت رهف تجد في الجامعة «متنفسًا» يخفف من ضغط الدراسة ويروّح عن النفس، كما يهيئ العقل لاستقبال معلومات جديدة، كما تقول، «كانت ساحات الكلية المتنفس الوحيد بعد المحاضرات الكثيفة والمملة (..) أنا كنت أتفق أنا وصاحباتي على الجيّة بكّير قبل المحاضرات بس عشان نفطر ونطلع سوا».

وترى رهف أن المرحلة الجامعية من أجمل المراحل العمرية التي تعيشها الفتاة، رغم الجهد الدراسي الذي تحتاجه، لكن الجائحة حرَمتها المتعة المصاحبة لهذه المرحلة، «هذه الفكرة بتقتلني فعلًا، وخاصة أنه التخرج رح يكون من البيت».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية