يزن النعيمات: الطريق إلى نهائي آسيا

السبت 10 شباط 2024
يزن النعيمات محتفلًا بفوز المنتخب الأردني على طاجيكستان خلال مشاركته في كأس آسيا. أ ف ب

قبل أقلّ من خمسة أشهر من وفاته عام 2012، توّج محمود الجوهري، مستشار رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم في ذلك الوقت، والمدرب السابق للمنتخب الأردني، فريقَ مركز سحاب بدوري مراكز الأمير علي للواعدين بعد فوزه في المباراة النهائيّة على فريق مركز إربد بهدف وحيد.

كان الفريقان قد تأهلا إلى المباراة النهائيّة من بين 24 فريقًا تمثّل المراكز المنتشرة في مختلف محافظات المملكة، ويضمّ كل مركز منها ثلاثين واعدًا تتراوح أعمارهم بين 8 – 12 سنة، يُدرّبهم مدربون معينون من الاتحاد ليكونوا جاهزين للالتحاق بفرق الناشئين في الأندية، والمنتخبات ضمن فئة أقل من 14 سنة.

لفت أداء عدة لاعبين في تلك المباراة الحضور، منهم: نزار آل رشدان من مركز إربد، ويزن النعيمات من مركز سحاب. وقد كان هذا الأخير صاحب هدف المباراة الوحيد الذي توّج فريقه باللقب.

قبل مرحلة التدريب في الأردن، كان الجوهري قد صنع لنفسه مسيرة تدريبيّة فارقة في الكرة المصريّة قاد فيها أندية الأهلي والزمالك للفوز بأول ألقابهما في القارة الإفريقيّة، بالإضافة إلى قيادة المنتخب المصري للتأهل إلى نهائيات كأس العالم العام 1990 بعد غياب دامَ 56 عامًا. 

وعندما تعاقد مع الاتحاد الأردني لتدريب المنتخب الأوّل وضع بصمة واضحة في مسيرة الكرة الأردنيّة عندما قاده إلى التأهل لأول مرة إلى كأس آسيا، والوصول به إلى الدور ربع النهائيّ في نسخة البطولة عام 2004 قبل أن يخسر بركلات الترجيح أمام منتخب اليابان الذي سيتوج بلقب تلك البطولة. وفي عهده، وصل المنتخب إلى المرتبة 37 في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم، وهو أعلى تصنيفٍ في تاريخه.

بالتزامن مع توليه تدريب المنتخب الأوّل أشرف الجوهري على مراكز الواعدين  منذ تأسيسها في بداية الألفية الجديدة، ووضع خطط المدربين فيها، وحين استقال من تدريب المنتخب الأول واصل العمل فيها حتى وفاته عام 2012.

جاءت مراكز الواعدين هذه لتبكير الاهتمام باللاعبين، وللتعامل مع ظاهرة المحسوبيات التي تنتشر في فرق الفئات العمرية الصغيرة.

في العام الذي توّج فيه النعيمات مع مركز الواعدين، خاض كذلك مباريات الدوري الأردني تحت سنّ 14 سنة مع فريق نادي سحاب الذي كان يلعب في الدرجتين الأولى والثانية، كأصغر لاعب مُسجّل في الدوري. وبعد المباراة النهائيّة أمام فريق نادي الطرّة التي انتهت بتتويج فريق سحاب باللقب كذلك، قال الجوهري لرئيس نادي سحاب مشيرًا إلى النعيمات: «ده حيكون أحسن مهاجم بالأردن».

تسليم الكابتن محمود الجوهري للميدالية الذهبية ليزن النعيمات بعد فوز فريق سحاب بدوري مراكز الأمير علي للواعدين 2012، من أرشيف المدرب صلاح الجلاد

الطريق نحو الاحتراف

منذ ظهوره الأوّل في مركز الأمير علي للواعدين، ومن ثم فرق الناشئين في نادي سحاب لفت النعيمات كل من شاهده يلعب بسبب سرعته ومهارته والذكاء في التصرّف أمام المرمى. وكان السرّ في تفوقه الالتزام الصارم في التمارين، وعدم التغيّب عنها، بالإضافة إلى تطبيق ما يُطلب داخل الملعب، كما يقول مدربه في الفئات العمريّة صلاح الجلّاد. 

يقول الجلّاد، إن اللاعب الذي يلفت انتباه المدرب يمتلك ثلاث ميزات: السرعة والمهارة والقوّة، ويزن كان يمتلك السرعة والذكاء، لكنه يفتقد القوّة بسبب صغر حجمه ونحوله، الأمر الذي يفقده ميزة التفوق في الالتحامات الثنائيّة ولعب دور دفاعيّ، وهو ما دفع بالمدرب إلى إشراكه احتياطيًا في كثير من المباريات خوفًا عليه من الإصابات. 

سترافق نقطة الضعف هذه النعيمات لاحقًا، وستكون واحدة من الأسباب التي لم يُستدع بسببها لتمثيل منتخب الناشئين في هذه الفئات، بالإضافة إلى عامل آخر، وهو أن المدربين عادة ما يختارون لاعبي المنتخبات من أندية دوري المحترفين، فيما كان سحاب يلعب في الدرجتين الأولى والثانية.

خالف مدرب منتخب تحت عمر 18 سنة أحمد عبد القادر هذه العادة باستدعائه النعيمات للعب في المنتخب، لاعتقاده أن هذا النوع من المهاجمين يفتقده المنتخب منذ زمن طويل، وهو المهاجم الصيّاد الذي يعرف كيف يتحرّك ومن ثم يسجّل أمام المرمى، والمهاجم الذي يكلّف خطأ المدافع أمامه هدفًا.

بشكلٍ شخصيّ، عمل عبد القادر على تأهيل النعيمات بدنيًا داخل نادي لياقة بدنيّة لتجاوز نقطة ضعفه. يقول عبد القادر، «كان النعيمات رفيع كثير، يمتلك أساسيات المهاجم لكن البنية ضعيفة، وأنا كنت مقتنع إنه سيكون رقم صعب في الأردن».

في موسم 2018-2019، كان نادي سحاب يلعب ضمن الدرجة الاولى، وفي سبيل التأهل لدوري المحترفين تعاقد مع المهاجم الغاني محمد أنس، لكنه أصيب في فترة التحضير، وهنا حمل النعيمات الفريق منذ المباريات الأولى ولمّا يكن عمره قد تجاوز العشرين، لتساهم أهدافه لا في صعود الفريق إلى درجة المحترفين موسم 2019-2020 وحسب، إنما كذلك ليكون بهذه الأهداف هدّاف دوري الدرجة الأولى.

كانت سنة 2021 السنة الفاصلة في مسيرة النعيمات؛ فقد شارك في ثلاث بطولات، واحدة محليّة واثنتين دوليتين. في الدوري المحلي مع نادي سحاب، بالرغم من صغر سنه (22 سنة) كان أكثر لاعب محلي تسجيلًا للأهداف (13 هدفًا) وجاء خلف المحترف في نادي السلط الكاميروني وانجا (15 هدفًا). بالرغم من نتائج فريقه الذي احتل المرتبة التاسعة في الدوري من أصل 12 فريقًا.

يزن النعيمات أقصى يمين الصورة عام 2011، في بطولة مدرسية مع نادي سحاب. من أرشيف المدرب صلاح الجلاد

دوليًا، شارك مع المنتخب الأردني تحت عمر 23 سنة في بطولة غرب آسيا، ومع أنه لم يسجل في مرحلة المجموعات، إلّا أنه سجّل في الأدوار الإقصائيّة بما فيها المباراة النهائيّة ضد المنتخب السعودي. ليحصل على جائزة أفضل لاعبٍ في تلك البطولة، وجائزة أفضل لاعب في المباراة النهائيّة.

وفي الشهر الأخير من تلك السنة، شارك مع المنتخب الأول في كأس العرب وفاجأ المتابعين بأسلوب لعبه؛ فقد سجل ثلاثة أهداف، واحد منها على حارس منتخب مصر محمد الشناوي أفضل حارس في قارّة إفريقيا، وحاز على جائزة الحذاء البرونزي.

لا يشكّل خوض المباريات الكبيرة ضغطًا نفسيًا على النعيمات، إذ عوّد نفسه على أن يكون مستعدًا طوال الوقت، فلا يسهر ولا يهمل التمارين. وفي المباريات التي تشكّل ضغطًا على أي لاعب مثل مباريات المنتخب، يرفع النعيمات من معنويات الجميع بمن فيهم أفراد عائلته لا العكس، «هذا روتينه الطبيعي، الاستعداد الدائم والثقة بالنفس»، يقول شقيقه بدر.

ساهمت هذه المشاركات والأداء الملفت في تلقي النعيمات عروض احتراف من أندية عربية وأجنبيّة في من بلجيكا والخليج والعراق، كما يقول رئيس نادي سحاب علي أبو حمّاد. وفي النهاية انتقل إلى النادي الأهلي الذي يلعب في دوري النجوم القطري مع بداية العام 2022. ومثلما فعل مع سحاب، واصل النعيمات الأداء الجيد في ناديه الجديد مساهمًا في فوزه بعد انقطاع طويل، واختير ضمن أفضل لاعبي الجولة الأولى في موسمه الأول مع النادي.

بعد هذا الاحتراف والتألق، يتابع اللاعبون الصغار في سحاب يزن كلاعبٍ استطاع الوصول إلى المنتخب ومن ثم الاحتراف، من فريق كان يلعب في الدرجة الأولى. يقول بدر النعيمات «الشباب كلها صارت بدها تلعب وتوصل للي وصله يزن».

عموتة وكأس آسيا 2024

قبل مشاركته في هذه النسخة من كأس آسيا، شارك المنتخب الأردني في أربع نسخ سابقة، وصل في ثلاث منها إلى مرحلة ربع النهائي، المرة الأولى العام 2004 بقيادة الجوهري، وخرج من واحدة من الدور الأوّل.

في هذه المشاركة الخامسة وصل المنتخب إلى المباراة النهائيّة، متجاوزًا منتخبات أعلى منه في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وأخرى كانت مرشحةً للفوز بالكأس، ليس في النتيجة وحسب، إنما في الأداء. ففي مباراة نصف النهائي، تمكّن من الفوز على المنتخب الكوري الجنوبي، وهو المنتخب الذي يضمّ لاعبين محترفين في كبرى الدوريات الأوروبية، بل ولم يستطع المنتخب الكوري
تسديد أي كرة على المرمى الأردني، ما يدل على منظومة كروية تعمل بشكل متجانس في المنتخب.

لم يكن التفوق في هذه البطولة وليدة اللحظة، إنما نتيجة سنوات طويلة، بدأت في اكتشاف المواهب وتدريبها من عمر صغير في مراكز الواعدين الذين يشكلون الآن عماد المنتخب، فبالإضافة إلى النعيمات، تدرب في هذه المراكز: موسى التعمري وإحسان حدّاد وعبدالله نصيب ونزار آل رشدان وآخرون من محافظات مختلفة.

بالإضافة إلى ذلك، ساهم احتراف أغلب لاعبي المنتخب في دوريات عربية وأجنبيّة، واحتكاكهم بلاعبين دوليين، وتدرّبهم على يد مدربين دوليين، في خلق حالة من الانضباط أثناء التمارين، والثقة داخل المباريات الكبيرة، والالتزام بخطة المدرب، وعلى الالتزام بنظام حياة اللاعبين المحترفين، مثل الالتزام بالنظام الغذائي المناسب، والحفاظ على اللياقة البدنية.

 لعب موسى التعمري في دوريات أوروبية منذ العام 2018 في قبرص وبلجيكا وفرنسا، واحترف محمود مرضي ونور الدين الروابدة مع فريق المحرّق البحريني الذي حصل العام 2021 على بطولة كأس الاتحاد الآسيوي، بالإضافة إلى احتراف عدد كبير من اللاعبين الأردنيين في دوريات عربية في فترة توقف الدوري المحلي. 

ساعدت الذهنية الاحترافية المدرب المغربي الحسين عموتة الذي يُدرّب المنتخب منذ تموز الماضي، على تنفيذ خططه التي تتطلب ثقافة من الانضباط، وتطبيق تعليمات الانتقال في الخطط داخل المباراة واللياقةَ العالية. وقد أسهم المحترفون في أغلب أهداف المنتخب في هذه البطولة، وكان نصفها من نصيب النعيمات والتعمري.

يفرح الجلّاد عندما يرى لاعبين درّبهم في فترة مراكز الواعدين، أو في الفئات العمرية، يمثلون المنتخب الأردني، لكن المتعة الحقيقية التي يراها الجلاد، مثل مدربي هذه الفئات صغيرة السنّ، ليست النتيجة إنما الأساس الذي يرفد المنتخبات باللاعبين، مثل اكتشاف موهبة جديدة كما حصل مع النعيمات قبل قرابة 15 عامًا: «هاي أفضل جائزة رح تكون».

يزن النعيمات لحظة تسجيله هدفًا في مرمى كوريا الجنوبية في نصف نهائي كأس آسيا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية