على الرغم من أن نسبة انتشار موقع تويتر في الأردن تصل إلى 2.4 % من السكان فقط، إلا إن هناك عددًا متزايدًا من الأردنيين الذين ينتقلون إلى هذه المساحة للتعبير عن ذواتهم بشكل مختلف عن موقع فيسبوك.
ما بين «لغيت حسابي على الفيسبوك بشكل كامل»، و«خليت حسابي بس مش كثير نشيط عليه»، يُخبرنا عدد من مستخدمي تويتر الأردنيين عن الاختلافات التي يلمسونها في الموقع بالمقارنة مع فيسبوك، الذي وصلت نسبة مستخدميه من السكان إلى 65.8 % في عام 2017.
مساحة للتحرر من رقابة الفيسبوك
صحيح أن مستخدم تويتر قد يُصادف أحدًا من عائلته النواة أو الممتدة، ولكن تظل رقابة «واحد من العيلة أهون من العيلة كلها» كما يتفق مستخدما تويتر علي أبو هواش وأريج الخطيب، والمتواجدان على المنصة منذ سنوات طويلة.
أريج، مثلًا، كانت معتادة على الكتابة منذ صغرها، وتحب أن تشارك بعضًا من كتاباتها وآرائها على الفيسبوك. ولكن تعليقات أفراد العائلة في منشوراتها جعلها تبتعد تدريجيًا عنه لتنتقل إلى تويتر، فتقول «كثير صرت أروح على تويتر أكتب، لأنه خلص ما بعرف حدا هناك.. لما قررت أرجع على تويتر (بحساب جديد) مسكت كل حدا من قرايبي وعملت له بلوك قبل ما أبلش». إذا سألوها عن السبب قالت «هيكم موجودين على الفيسبوك. على تويتر، ما بدي اياكم تكونوا موجودين».
علي، هو الآخر، ألغى حسابه على فيسبوك في عام 2017، بسبب الرقابة ذاتها وإدراكه لمدى تلاعب جهات ثالثة في بيانات المستخدمين، التي ينتج عنها إعلانات وأخبار موجهة تشكل آراء المستخدمين. يقول علي أنه كان يعبّر عن رأيه على الفيسبوك فيجد من يقول له من العائلة، لربما حرصًا عليه، «شو بتحكي سياسة؟ صلّ على النبي، ما بيزبطش الحكي هذا، مستقبلك ما مستقبلك.. متى بدك تهدأ.. مش حتتخرج مش حتشتغل». ويضيف بأن كل تلك التدخلات تشكل ضغطًا على الشخص «لو أنه مش مباشر»، فوجد في تويتر مساحةً أكبر نسبيًا للتعبير بأريحية.
بالنسبة للين غرايبة، التي أنشأت حسابها على تويتر عام 2011 لتتابع السياسيين السوريين الفاعلين في الثورة السورية وأصبحت أكثر نشاطًا عليه بعد أحداث «هبة حزيران» الأخيرة، فإن الفئة العمرية الموجودة على فيسبوك تلعب دورًا في تحديد استخدامها له. تقول لين «بوجود العيلة الكثيرة.. شوي بيحس الواحد فيسبوك أنه هو واقف معه مايك عم يحكي باحترام قدام الناس.. تويتر شوي الواحد بيعبر عن حاله أكثر».
تُضيف لين بأن الفيسبوك هو عبارة عن «ناس بيخطب، بتزوج، بيجيها ولد، بتشتري بيت، بتسافر، هيك الفيسبوك صار. تويتر بقدر أحكي فكرة بتتناقش».
«ناس بيخطب، بتزوج، بيجيها ولد، بتشتري بيت، بتسافر، هيك الفيسبوك صار. تويتر بقدر أحكي فكرة بتتناقش».
يُجمع المستخدمون الذين تحدثنا إليهم بأن مساحة تويتر، على الرغم من تغيّرها في الآونة الأخيرة ليصبح مستخدموها أكثر حدةً، لا تزال أكثر ترحيبًا من فيسبوك بطرح الأفكار «غير المألوفة»، الأمر الذي يشجع كثيرين على الكشف عن قناعاتهم الحقيقية فيه، بحسب تقديرهم.
ويعترف أغلب المشاركين الذين تحدثنا إليهم بأنهم لم يطلعوا على سياسة الخصوصية في تويتر بشكل معمق، ولكنهم يعتبرون استخدام الموقع «حزمة واحدة متكاملة»، وعليهم أن يقبلوا بهذه السياسة، حتى وإن لم تعجبهم، ليتمكنوا من استخدامه.
تقول روان نخلة، وهي صحفية وتستخدم تويتر للتعبير عن آرائها الشخصية وتجاربها اليومية، إنها لم تطلع على سياسة الخصوصية، ولكن ذلك لن يغيّر شيئًا بالنسبة لها، فهذا الحرص التي تتكلم عنه يمتد إلى الرسائل الخاصة، فتخبرنا أنها «عارفة [إنه] أي إشي طلع برا تمي ووصل للسوشال ميديا أو عالم النت بطّل مِلكي».
اهتمامات مشتركة وتواصل مفتوح
يُخبرنا إبراهيم شديفات أنه من «الناس اللي فعلًا بعد الرابع، صار تويتر فش ساعتين ثلاث غير تفتحه. زمان ما كنتش هيك، كنت كل يومين ثلاث أشيّك». من جهة، فإن هذه المساحة تساعدك على التشبيك مع الناس ذوي الاهتمامات المشابهة لاهتماماتك، وليس فقط من تربطك بهم معرفة شخصية. ومن جهة أخرى، فإنها تتيح لك متابعة الأخبار بسرعة أكبر من فيسبوك، والتواصل مع الشخصيات العامة بسهولة.
يقول إبراهيم «هسا حكومة تويتر، وزير الاتصالات بتعمله تويت بيرد عليك، رئيس الوزراء حسب مزاجه.. شخصيات عامة، بشكل عام، بتتفاعل معهم. جزء كبير منهم بيرد عليك أو أقلها بيشوف.. هذا إشي صعب تلاقيه على الفيسبوك، لأنه حتى الناس هذول بيكون مرات أكاونت فيسبوك مسكر الكومنتات، أو بيج بتلاقيه في واحد ماسكه عنه».
على الرغم من هذه الميزات، يعتقد إبراهيم أن هناك الكثير ممّا لن تجده على تويتر، ممّا يجعله يتمسك بمتابعة فيسبوك بين الحين والآخر. يهتم، مثلًا، بأخبار محافظته، المفرق، فيقول أن هناك «أخبار محلية، زي صار حادث، مطعم سكر.. الصحافة ما بتهتم بتنشرها، بس الناس هاي بتنشرها وتتفاعل عليها.. بيفتحوا عليها نقاش، وكل يوم بالليل، شو رأيك بكذا.. تفاصيل، زي كأنك قاعد بديوانية».
قد لا يشارك في هذه النقاشات، ولكنه يُحب أن يتابعها. كما أن وجهة النظر الموجودة على تويتر لا تعطي الصورة كاملة بالضرورة، بحسبه. فلنأخذ مثلًا الحادثة التي وقعت في جامعة آل البيت مؤخرًا، عندما قام موظفو الجامعة بطرد رئيسها. يقول إبراهيم إن تويتر كان «بس هجوم.. ما حد سمع وجهة نظر الناس الثانيين.. إذا بدك فعلًا تبني وجهة نظر حقيقية، لا بدك تروح على الناس هاي، تروح على المجتمع تسمع منه، وهذا الحكي ما بتلاقيه إلا على الجروبات هاي».
مساحة للانتقاد اللاذع أيضًا
حتى العام الفائت، تعتقد أريج أن تويتر كان يوفر مساحة مناسبة للحوار والتعبير، ولكن يجب أن تعد للعشرة قبل أن تكتب أي كلمة اليوم.
عندما أُطلقت حملة «همتنا» للعناية بصحة مرضى السرطان، لمست أريج، وهي من القائمين الأساسيين على الحملة، اختلافًا في تعاطي الناس معها بين فيسبوك وتويتر، فبينما هم يتعاطفون مع الحملة بشكل كبير على الأول، يستسهلون الانتقاد في الثاني، ويوجهون أسئلة مثل «الحكومة ليه ما تدعم؟ ليه ما يروحوا على مركز الحسين؟»
تُقر أريج بأن التساؤلات التي طُرحت منطقية، ولها ما يبررها، ولكن الأمر لا يقتصر عليها، فـ«لو كتبتِ مرحبا، رح يفوت حد يقولك ليه عم تحكي مرحبا.. مش عارفة هل هو الناس عم بتفرغ طاقتها هل صار في كثير ناس موجودين ما كانوا موجودين قبل؟».
يتوّقع علي، أن الأمر لربما يعود لأن «ما حدا بيعرف حدا» بشكل شخصي على تويتر، ولن يتأذى من توجيه الانتقاد اللاذع عليه بخلاف فيسبوك الذي تربطك بمستخدميه علاقة شخصية في معظم الأحيان. جرّب علي هذا الانتقاد مؤخرًا، بعد أن حضر عشاءً برفقة عدد من الناشطين مع رئيس الوزراء عمر الرزاز. «تشنجت، أول مرة بختبر هيك اشي أصلًا»، يقول علي.
قد يحذف إبراهيم، مثلًا، بعض التغريدات بعد ساعات من نشرها، لا خوفًا من رد فعل تجاهها وإنما بعد أن يقيّمها مرة أخرى ويشعر بأنها «غير مناسبة». يخبرنا أنه «مرات الواحد بيكون بظرف معين نفسي، أو يعني سمع خبر سمع شغلة، بيصيبه انفعال، لما يهدى شوي يوزن الأمور، بيشوف أنه ممكن يعني لو صاغها بطريقة ثانية أو ممكن ما يحكيهاش أصلًا».
يلاحظ أغلب من تحدثنا إليهم أن الانتقاد قد يكون أكثر قسوة تجاه الإناث من مستخدمي تويتر، وقد يتخذ أشكالًا مختلفة من التنمر. ويشير تقرير صادر عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية في عام 2017 إلى أن الإناث شكّلن ما نسبته 33 % من مستخدمي تويتر في الأردن، مقابل 67 % من الذكور.
تقول لين إن المستخدمة «إذا ما عندها لا اهتمام سياسي ولا اهتمام رياضي، ولا اهتمام بقضايا مجتمع وبتحكي بس عن حالها، أي حدا بيعمل «كوت تويت» وبيكتب بيتخوث عليها، فعلًا هذا التنمر كثير موجود».
تؤيد حنين بيطار، والتي تستخدم تويتر منذ سنوات طويلة، هذه الملاحظة، وتؤكد بأنها حدثت لفتيات تعرفهن جيدًا تأثرن سلبًا من تعليقات المستخدمين. كما أن أي مستخدمة مضطرة للتفكير «مرة ومرتين قبل ما تكتب أي تويت، خصوصي لما يكون حساس نوعًا ما من موضوع سياسي»، فـ«كونك بنت كثير أسهل ينسب عليك وينطعن بشرفك حتى لو حكيتِ بموضوع ارتفاع البنزين».
يتفق إبراهيم وعلي مع هذا الرأي. يؤكد علي بأنه يقضي وقتًا طويلًا وهو يتصفح تويتر، ويُلاحظ ردود فعل الناس على الإناث اللواتي يعبّرن عن أي رأي سياسي، فغالبًا ما يُعتبرنْ باحثات عن «لفت الانتباه» ولا يُعاملنْ كأنهن «كائنات واعية»، فتجد الردود متشابهة، خصوصًا إذا استخدمن كلمات خارجة عن المألوف، على منوال «والله شاطرة.. وين أهلك يربوكِ؟».
في المقابل، تلاحظ روان أن هذا التنمر لا يصدر عن مجموعات تريد أن تقضي وقت فراغها فحسب. في الفترة ما بين 2011 و2014، كان هناك «أكاونتات وخلص إحنا كنا عارفينهم وحافظينهم، بنعرف أن هي أكاونتات وهمية، وهذول كان بس هيك شغلهم شغل تنمر».
بعد أن خفّت وتيرة الاحتجاجات في الشارع الأردني بعد حراك 2011، خفّ نشاط هذه الحسابات، كما تقول روان، لتعود إلى الواجهة بعد اعتصامات الدوار الرابع، ممّا يثبت لها أنهم «مش أشخاص قاعدين يلا نتنمر، في إشي موجه، تمامًا زي اللجان الموجودة. طبعًا هي اللجان مش تخويت.. في لجان إماراتية وفي لجان سعودية، فبحس أنه هاي التجربة عم بينقلوها في الأردن».
بيد أن روان ترى أن كونها أنثى يزيد، بدلًا من أن يحد، من حريتها في التعبير. فهي لا تزال تؤمن بأنها لو لم تكن فتاة لكانت «أقل جرأةً»، لأن التبعات أقسى على الذكور من الإناث، اللواتي يبقين، برأيها، بمنأى عن الاستجوابات الأمنية على سبيل المثال.
تفند مجموعة من الناشطات فكرة روان هذه، فقد ذكرن علنًا على حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي أنهن خضعن لاستجوابات أمنية على خلفية نشاطهن السياسي وتعبيرهن عن آرائهن، ضمن حملة شملت ناشطين وناشطات على حدٍ سواء.
بيد أن روان تعترف أنها تمارس، على الرغم من ذلك، درجةً من الرقابة الذاتية، فتقول «بكتب أي إشي بيخطر في بالي»، ولكنها حريصة على العودة إلى كل تغريدة للتأكد من الكلمات المستخدمة حتى تتجنب ما يوّرطها في حوار مزعج مع المغردين الآخرين من جهة، أو يدينها قانونيًا من جهةٍ أخرى.