هكذا تعاملت السينما مع الرواية

الإثنين 21 أيار 2018
تصميم مايا عامر

في عام 1961، كان أحد أكثر الباحثين الأوروبيين مواظبة على عمله في النقد، يتنازل ويأخذ دورًا قصيرًا، ككومبارس، في فيلم يتناول حياة روائيّ إيطاليّ. وعلى امتداد السنوات العشرين التالية تقريبًا، سيظل هذا الباحث الرصين يردّد في العلن أنَّه لا يهتمّ بالكتابة الإبداعيّة ككتابة الرواية مثلًا، لكن وفي العام 1981 سيكتب هذا الكومبارس رواية بعنوان «اسم الوردة»، وفي 1986 سيقتبس أحد الأفلام من الرواية قصتها وسيحمل عنوانها، وسيتحدث هذا الباحث، الذي صار روائيًّا، أينما حلّ عن كتابة الرواية وأسرارها.

يُمكن اعتبار هذه الحالة إحدى الحالات التي توضّح الوله بالرواية في العالم، حتّى عند كل هؤلاء المتجهمين الذي يعلنون أمام الناس أنَّهم لا يميلون إلى هذا النوع من الكتابة.

لم يكن أمبرتو إيكو وحده المولع بالرواية على أية حال، إنما كتّاب السيناريو أيضًا، إذ شكّلت لهم الرواية منبعًا لكتابة سيناريوهات لأفلام جيّدة. مثلًا، من بين 91 فيلمًا حصلت على جائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم عبر مسيرة الجائزة، كان هناك 38 فيلمًا يقتبس قصّته من رواية. ومنذ البداية، في الدورة الأولى، سنة 1928، كان فيلم «أجنحة» (Wings) يقتبس قصّته من رواية بنفس العنوان لـلروائيّ وكاتب السيناريو الأمريكيّ جون مونك ساندر.

تحت هذا الولع، الظاهر أحيانًا، والمستتر أحيانًا أخرى، كان لا بدّ للسينما أن تناقش الجنس الأدبيّ الأكثر اعتمادًا عليه مقارنة مع الأجناس الأدبيّة الأخرى.

الملفت أنَّ هذه الأفلام تناولت أفكارًا لم تكن سهلة. باختصار، يُمكن اعتماد بعض الحوارات في هذه الأفلام كفصول أو مقالات نقديّة في كتب محترمة كتلك التي يكتبها أولئك الذين كانوا يُعلنون أنَّهم لا يحبون الكتابة الإبداعيّة، بينما يواصلون في الخفاء ولعَهم بها، بل وأحيانًا يشاركون في أي شيء يخصها حتى لو كان على حساب سمعتهم «الرصينة».

هذا نصٌّ مهم، يقول أحدهم، ويسأل آخر: مهم لمن؟

شكل الرواية، ودورها، وماهيّتها، ثلاث زوايا رئيسيّة، تناولتها ثلاثة أفلام اختصرت فيها حديثًا كثيرًا ومتشعبًا عن الفنّ الروائيّ.

في العام 1937 كان فيلم «حياة إيميل زولا» للمخرج وليام ديتيرلي، يسير مع التيّار الواقعيّ في الأدب ويختزل وظيفة الرواية والروائي بتغيير الواقع. في هذا التيّار، ليس من شأن الرواية الحديث عن الوجه الجميل للحياة، إنما النظر، ومواجهة كل قبيح في المجتمع، ولو كان ضدّ أهواء الذين يعانون من القبح، وليس على الكاتب أن يكون غنيًا، فـ«المعدة البدينة تنتفخ للخارج كثيرًا وتمنعك من رؤية ما يحدث من حولك»، وفقًا لمقولة تتكرر في الفيلم.

المشهد الأوّل في الفيلم يقول الكثير: خلاف بين الروائيّ الفرنسيّ إيميل زولا وصديقه الرسّام بول سيزان؛ يقترح زولا على صديقه رسم باريس «الشاسعة الساكنة»، لكن الرسّام يرد: «الناس لا يُريدون رؤية وجه الحقيقة الصارخ، إنَّهم يُفضّلون الأضواء الخادعة مثل هذه (ويُشير إلى كتب على الرفّ) والتي ينبغي أن تُحرق». ثمّ يبدأ، بمساعدة من زولا، في تمزيقها وحرقها في المدفأة.

بعد حادثة حرق الكتب، تتحول نظرة زولا للرواية والكتابة الروائيّة؛ يترك النظرة الرومانسيّة، و يخوض حياة باريس السُفلى، ويُقيم علاقة مع إحدى غانياتها، فتخرج أولى رواياته، تحت عنوان نانا. بعد هذه الرواية يتجه زولا إلى صناعة أدبٍ متصادمٍ مع السلطة فيكتب رواية «الكارثة» (The downfall) التي تكشف الفساد في مؤسسة الجيش عقب هزيمة الفرنسيين من الجيش البروسي سنة 1871، والتي تثير شكوكًا عند بعض الضباط حول فعاليّة إدارة المعركة من قبل القادة الكبار، وسيتغير الكثير في الجيش الفرنسيّ بعد صدور هذه الرواية، ولو بشكل غير مباشر.

ربما يكون التغيير جزءًا من تأثير الرواية على العالم، لكن، كيف تؤثّر الرواية على صانعها؟

يقدّم الروائي الأوروغوايانيّ كارلوس ليسكانو فكرة مثاليّة حول العلاقة بين وجود الفنّان وعمله، يقول ليسكانو: «إنَّ (M) هو من ابتكرني، وقد ابتكرني في الظلمة». تقوم فكرة ليسكانو، التي طرحها في كتابه «الكاتب والآخر» على تأمّل شخصيّة الروائيّ ووجودها في المحيط، الفكرة على النحو التالي: «الآن، الكاتب موجود بنظر القرّاء وأفراد المجتمع من خلال اسمه على أغلفة الروايات، وذلك الذي ابتكره (الذي يمارس حياته الخاصّة) لم يعد موجودًا»؛ بمعنى، أنَّ الروائيّ حين يُنتج أعمالًا يقرأُها الناس، تصير هذه الأعمال دليل وجوده في المجتمع، في حين يتلاشى وجوده الحقيقيّ كلما ارتفع وجوده الفنيّ.

وهذا أيضًا ما يطرحه فيلم «الرجل الطائر» (Birdman) للمخرج المكسيكيّ أليخاندرو غونزاليز إيناريتو، والمأخوذ عن رواية قصيرة  (Novella) لريموند كارفر؛ ممثلٌ يقوم بأشياء خارقة، يُحرّك موجودات الغرفة بنظرة من عينه، ينقل أشياء بنظرة أخرى، لكن، وعلى طول الفيلم كانت هذه الخوارق تجري حين يكون وحيدًا، دون أن يراه أحد، فيظنّ الممثّل أنَّ له أهمية بما أنَّه يستطيع الاتيان بعمل خارق مبدع، لكن هل رأى أحدٌ هذا العمل ليستحق الممثل وجوده من خلاله؟

كان البطل يُردّد خلال التحضير لمسرحية مأخوذة عن رواية قصيرة: «هذه فرصتي لكي أفعل شيئًا ذا معنىً أخيرًا». ستسأله ابنته: معنىً لمن؟

تساءل مارتن هايدجر حول هذا الوجود؛ وجود الفنان: كيف يستطيع الفنان أن يكون ما هو عليه؟ ويُجيب: «إنَّه يكون كذلك عن طريق العمل الفنيّ، وإذا كان العمل الفني يُثني على الفنان، فذلك يعني أن العمل الفنيّ هو الذي يجعل الإنسان يبرز بوصفه فنانًا، الفنان هو أصل العمل الفنيّ، والعمل الفنيّ هو أصل الفنان، لا وجود لأحدهما دون الآخر».

عودة للوراء

قبل تناول أفلام تطرح أفكار حول دور الرواية ودور كاتبها ووجوده، أما كان من الأجدر أن نتناول فيلمًا يحاول الإجابة على سؤال: ما الرواية؟

حسنًا، هذا السؤال يقدمه فيلم «قهوة صينية» (2000).

الفيلم حوار طويل تدور أغلب أحداثه داخل غرفة بين روائييْن فقيرين يُعانيان من حبسة الكتابة، يستطيع أحدهما (آل باتشينو) أخيرًا كتابة رواية، فيما يظل الآخر متوقفًا. وحين يطّلع هذا الأخيرة على مخطوط رواية صديقه يأكله الحسد، بل والشعور بالظلم لأنَّ صديقه سطا على حواراتهما الطويلة التي كانت تجري بينهما بشكل عفويّ وأدخلها في عمله.

الحوارات ليست ذات أهميّة، ربمّا كانت ثرثرات مجانيّة تفوه بها الروائيّ الحاسد والمسروق، إلّا أنه يرى فيها كلّ الأهميّة حين يقرأها في عمل روائيّ لصديقه. فما الذي جعل كلامًا عاديًا رواية؟

ينظر رولان بارت للأدب والرواية بأنَّها في نهاية المطاف طريقة عرض الأفكار، وليست الأفكار ذاتها؛ إذ أنَّ الأفكار على الدوام معادة ومطروقة، يقول بارت في كتاب النقد البنيوي للحكاية: «الكاتب أتى العالمَ المليء بالكلام، وليس من واقع إلّا وصنّفه الناس، أن يولدَ الإنسان ليس إلّا أن يجد نظام الرموز المُنجز، وأن يجيد التآلف معه، وغالبًا ما نسمع أن على عاتق الفن التعبير عن اللامعبّر عنه، بيد أنَّ العكس هو الصحيح، تنحصر مهمة الفنّ في عدم التعبير عن المعبّر عنه، وفي أن تنزع من لغة التداول، وهي لغة الأهواء الأكثر وهَنًا، كلامًا آخر».

الواقع والتجربة في الروايات

أكثر من أيّ فكرة أخرى، انشغلت الأفلام التي تناولت الروايةَ، بمسألتين؛ تجربة الروائيّ في الحياة ودورها في مساعدته على كتابة رواية، ومسألة الواقع في الروايات: لا رواية جيّدة من دون خوض تجربة، مختصر مقولة فيلم «الكلمات» (The words). كلّ مهارات الروائيّ الأمريكي ترومان كابوتي التي ركّز عليها فيلمٌ حمل اسمه (Capote) لم تمكّنه من كتابة روايته الفريدة التي حملت عنوان «بدمٍ بارد»، والتي أنتجها بعد تجربة خاضها مع مجرمين عاشرهم لعدة أشهر، وكانت آخر أعماله الروائية.

الفيلم الإسباني «المؤلف» (el autor) يقدم شابًّا سيعذّب نفسه، ومحيطه، ويقلّد أساليب الروائيين ليكتب رواية، وستقوده مساخر الحياة إلى السجن بسبب الأخذ بنصيحة أستاذة في كتابة رواية، لن يكتبها إلّا بتجارب يخوضها.

في فيلم «سل الغبار» (Ask the dust) يسأل روائيّ: كيف لي أن أكتب عن أشياء [العلاقة مع النساء] لم أخُضْها؟ فيرد أحد المحررين عليه: «إنَّه من البديهيّ أن خبرة المؤلفين عامّة أقلّ من خبرة الرجال الآخرين، وهذا يعود لحقيقة واحدة، إنَّك ببساطة لا تستطيع أن تتواجد بمكانين في الوقت نفسه، إمّا أنَّك أمام الآلة الكاتبة تكتب، أو في الخارج مع العالم تكتسب الخبرات».

هذه إشكاليّة كبيرة بالفعل، ولم ينته الجدل حولها يومًا. هنا، يُمكن الركون لوجهة نظر الروائي البرتغالي جوزيه ساراماجو التي ظهرت في فيلم (José e Pilar). حول هذه الإشكاليّة، يقول ساراماجو في الفيلم الذي يتناول الفترة الأخيرة من حياته: «إنَّ كلَّ شيء، متعلق بسيرة المرء الذاتية؛ ولذلك، نروي قصصنا عن كلّ شيء نفعله أو نقوله». اختصر ساراماجو بهذه العبارة الإشكال الكبير في ضرورة وجود تجربة للروائيّ ليكتب بشكل جيّد؛ وجهة نظر ساراماجو تتحدث عن: «فعل أو قول».

التأثيرات غير المرئيّة للرواية

بخلاف النظرة الواقعيّة حول دور وتأثير الأدب والرواية في المجتمع، هناك تأثيرات أخرى للرواية. ثمة فيلم تناول الموضوع بشكل ساحر، أيّ، التغييرات غير المرئيّة التي تحدثها الرواية في المجتمع.

يقدّم فيلم «الساعات» (The Hours) المأخوذ عن رواية بنفس الاسم لميشيل كينينغهام، وتحكي عن رواية «السيدة دالاوي» لفرجينيا وولف، فكرةً مفادها أنَّ على القارئ الاعتقاد بأنَّ أيّ روايةٍ لا تكون كلّها محض خيال، إنما فيها بعض الأشياء من السيرة الذاتية لكاتبها، وعلى هذا القارئ ألّا يستهين بالمخاض العسير لولادة الرواية، إذ من الممكن أن تتناسخ أفكار وكوابيس الكاتب أثناء الكتابة إلى رأس القارئ، والذي بدوره يُمكن أن يورثها لأجيال أخرى.

قدّم الفيلم توريثَ هذه الكوابيس والمخاضات العسيرة من أجل كتابة رواية، إذ بدأت أفكار الانتحار من عند فرجينيا وولف، أثناء كتابة رواية السيدة دالاوي في عشرينيات القرن الماضي، ثم تنهض أفكار الروائيّة وكوابيسها في امرأة تقرأ الرواية في خمسينيات القرن الماضي، لكنها تعدل عن الانتحار. ثم تتكرر الحالة نفسها في الألفية الجديدة، فينتحر شخص ما هو في الحقيقة ابن المرأة التي عاشت في الخمسينيات وقرأت رواية السيدة دالاوي. هكذا يقدم هذا الفيلم تغييرًا شاعريًا لما تقوم به الرواية على أي حال.

سوء الفهم بين القارئ والروائيّ

القارئ مأخوذ بالعلامات والتفسيرات اللانهائيّة لكل ما يصدر عن الروائيّ (سواء أكان عملًا روائيًّا أم تصرفًا شخصيًا)، هذا ما تحاول قائمة طويلة من الأفلام تقديمَه، تدور هذه الأفلام في مناخ واحد تقريبًا، قارئ يقرأ رواية ويعتقد بحقيقة ما ورد فيها، ويحاول إيجاد عالمٍ موازٍ لعالمها في الحياة. قدّم فيلم «بؤس» (Misery, 1990) قارئةً لا تُريد لشخصيّة في الرواية أن تموت، فتلجأ إلى إجبار الروائيّ على تغيير النهاية. وقع الروائيّ أسيرًا عندها بعد حادث على الطريق فأنقذته وحبسته في منزلها، ثم سخرت منه بقولها: «نحن بُعثنا إلى الأرض لنخلّص الناس». وحين يريد المحقق العجوز البحث عن الروائيّ المفقود، سيبحث في ما كتبه علّه يجد خيطًا يقوده إليه.

ولتعليم كل هؤلاء القرّاء أصحاب التفسيرات الشخصيّة للأعمال الروائيّة درسًا قاسيًا في القراءة المثاليّة، أو ليكفّوا قليلًا عن التأويلات الكثيرة، يقدم فيلم «نهاية الجولة» (The End of The Tour) درسًا في القراءة الحسنة، من خلال الدرس المؤلم الذي تلقاه صحافيّ أثناء مرافقته للروائيّ الأمريكي ديفيد والاس بهدف إجراء مقابلة معه.

سيمطر الصحافيّ، وهو روائيّ مبتدئ كذلك، والاس بأسئلة ذات طابع شخصيّ حول ما يقصد أو ما لا يقصد بكل ما يقوم به سواء في طريقة لبسه أو بما ورد في أعماله، حتّى ربطة الرأس التي يضعها والاس فُسّرت من قبل الصحفيّ بأنها محاولة من والاس للتدليل على أنه «ينتمي إلى روح الشباب». الهيروين في أحد أعمال الروائيّ يجعل الصحفي -بأوامر من مدير تحريره- يلحّ على الروائيّ ليعرف إن كان خاض تحربة كهذه في التعاطي. سيبكي هذا الصحافيّ بحرقة حين تنتهي جولته مع والاس ويدرك في نهاية المطاف أنَّ تصرفات هذا الروائيّ كانت في الحقيقة تلقائية، وأن والاس شخصٌ بسيط، ومسكين كذلك.

هذا الانزعاج من انشغال القرّاء بهمسات الروائيين ولمساتهم، يقابله تمادٍ من الروائيين في الشكوى من عدم وجود قرّاء مثاليين. إنهم يطالبون دائمًا بقرّاء على هواهم، ولا يتورعون من إطلاق أوصاف لا تليق بالقرّاء، مثلًا وضعَ إيكو تحديدًا لفئة القرّاء الذين يُريدهم، وكذا فعل ساراماجو في فيلم (José and Pilar): «نحن لا نريد قرّاء خاملين، ولا قراء متزمتين، ولا قراء مذعنين، لا أريد أن أعيش من أموال هذا النوع من القراء، أريد أن أعيش من أموال قراء آخرين».

ماذا عن دور محرر الروايات؟

هذه قصّة أخرى تناولتها الأفلام، عن العنصر الأكثر حساسيّة في عملية كتابة الرواية، أو بعد كتابة الرواية. محرّر الروايات شخصٌ مهم في أماكن كثيرة في العالم، ليس بينها الوطن العربيّ على أيّة حال، إذ يتدخّل المحرر في كل كبيرة وصغيرة في العمل ويناقشه مع الروائيّ، إذ لم يكن دوْر الناشر والمحرر يومًا أن يكون «تاجر ورق»، وهو ما يأتي عليه فيلم «عبقري» (Genius) الذي يتناول سيرة حياة وعمل المحرر ماكس بيركنز (محرر همنغواي وفيتزجيرالد) الذي عمل في دار نشر «أبناء تشارلز سكريبنر».

في سنة 1929، تقوم صداقة بين بيركنز والروائيّ الأمريكي توماس كلايتون وولف أثناء العمل على روايته «انظر باتجاه البيت أيَّها الملاك». كُتبت الرواية في ألف صفحة، شطب منها المحرر بعد جُهد 300 صفحة، «إنَّ جلّ عملي هنا هو إيصال الكتب الجيّدة إلى القرّاء» يقول بيركنز.

يكتب وولف الرواية الثانية «من الزمن والنهر» (Of Time and the River) من خمسة آلاف صفحة، ويبدأ المحرر عمله فيها جملةً جملة، كلمةً كلمة، يراجع ويناقش الروائيّ والمحرر العمل لمدة عامين، في النهاية يكون رأي المحرر على هذا النحو: «لتكون روائيًّا عليك أن تكون منتقيًا».

سيدور حوار بعد صدور العمل الثاني حول الروايات القصيرة والطويلة، روايات فيتزجيرالد وهمنغواي ضد روايات وولف، تحدث مشاحنة بين المحرر والروائيّ، الروائيّ يُدافع عن كمّ الكلمات، والمحرر وكيلًا في الحوار عن فيتزجيرالد بقوّة الكلمات لا عددها.

يطرح الفيلم قضيّة أساسيّة هنا بين نظرة الروائيّ ونظرة المحرر للنص الأدبيّ؛ (ليساعدني الله على أن يتجاوز محرر حبر هذه الفقرة بسلام)، يتعلّق الأمر بوجود موسيقى للنصّ لا يراها غير الروائيّ، فيما ينظر المحرر للنص الروائيّ بوصفه كتلة كلمات وأفكار وبروح جافة؛ هنا يحاول وولف التدليل على وجود الموسيقى؛ موسيقى النصّ التي لا يعترف بها المحررون، الأمر الذي يدفعهم بالعادة إلى اقتراح شطب الكثير من الكلمات استنادًا إلى قاعدة: «أفكارٌ كبيرة بكلماتٍ قليلة».

يأخذ وولف المحرر بيركنز إلى حانةٍ للسود تُعزف فيها موسيقى الجاز، ويطلب منه أن يَفهم في البداية هذه الموسيقى حتى يفهم موسيقى النص الروائي، وحين ينتشي الروائيّ يصرخ بالمحرر من داخل الحانة: «إلى الجحيم أيتها النماذج القياسيّة».

أخيرًا، يحضر ساراماغو حفل تكريم له بمعرض جوادالاخارا في المكسيك وسيكون طلبه الوحيد: «لن نتحدث في الأدب، سنتحدث عن العالم، لأن العالم يحتاج للحديث عنه». يا إلهي، كان الحديث طويلًا عن الأدب في الأفلام، دعونا إذن لا نتحدث عن الأدب، ولنتحدث عن العالم والحياة أكثر.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية