عصر «أوزمبيك»: هل يغير الدواء الجديد فهمنا للسمنة والنحافة؟

الإثنين 10 نيسان 2023
أوزمبيك
تصميم محمد شحادة.

نُشرت نسخة مطولة من هذا المقال في مجلة النيويوركر في 27 آذار 2023.

كان النموذج المثالي للجسد الأنثويّ الذي ساد خلال العقد الماضي، والمولود نتيجة التحالف المشؤوم بين إنستغرام وعائلة كارداشيان، مُثيرّا وغرائبيًا. نسخت النساء الشابات المتواجدات في كل أرجاء الإنترنت ذلك الشكل: خصرٌ منحوت ومؤخرة ضخمة، وركان يمتدان بسخاء تحت البكيني ذو الخصر المرتفع. وكذلك كان الوجه الذي يعلو كل ذلك، فهو هجين مرسوم المعالم يجمع بين مانيكان بشري وقطة مثيرة. ولد هذا النموذج بوساطة تكنولوجية مثلما هو حال العصر الذي خلقه، حيث حصلت النساء على هذا المظهر من خلال حقن المواد الصناعية وإزالة المواد الطبيعيّة وتعديل الأدلة الفوتوغرافيّة. 

راكمت دانا عمري، وهي أخصائيّة تغذية ومؤثرة على إنستغرام في هيوستن، ربع مليون متابع عن طريق توثيق عمليات شد الجفون وتكبير الثدي ورفع المؤخرة للأثرياء والمشاهير. ولاحظت، مؤخرًا، أن رياح معايير الجمال البشرية على وسائل التواصل الاجتماعي تعصف في اتجاه جديد: فقد تقلصت نساء عائلة كارداشيان، وبعد أن اعتمدن أنماطًا خلقتها النساء السود، فإنهن يجنحن الآن نحو نموذج مثالي أشد نحافة وبياضًا. لذا نجد بأن كيم قد خسرت 9.5 كيلوغرامًا من وزنها قبيل حفل ميت غالا، حيث ارتدت فستانًا شهرته مارلين مونرو؛ ونشرت كلوي، التي سبق لها الحديث عما عانته من وزنها، صورًا من عيد ميلاد صديقتها بدت فيها نحيلة وشقراء مثل باربي. 

أينما ولّينا وجوهنا على إنستغرام مؤخرًا، نرى صور الأثرياء والجذابين باحتراف تظهر عظمة الترقوة البارزة والقفص الصدري. شاركت العمري، في الربيع الماضي، متابعينها سر هذه النحافة المذهلة الذي لا يخفى على أحد، مؤكدة بأن عائلة كارداشيان وغيرهم يتناولون السيماغلوتايد، أي المادة الفعالة في عقار أوزمبيك. وكتبت «هذه هي «حقنة السكري» التي يتحدث عنها الجميع لفقدان الوزن. فقد أطلعتني مصادر جيدة تزعم بأن كيم وكلوي شرعتا في رحلتهما مع أوزمبيك العام الماضي». بينما كانت العمري على وشك البدء في تناول العقار بدورها.

يندرج أوزمبيك، المصنع من قبل شركة نوفو نورديسك، تحت فئة عقاقير آخذة في الاتساع تسمى GLP-1 المنبهة للمستقبلات، والتي أحدثت بدورها تغييرًا كبيرًا في علاج مرضى السكري والسمنة. نال أوزمبيك موافقة إدارة الغذاء والدواء ليُستخدم في علاج السكري من النوع الثاني فقط -حالة تشكل ما نسبته 90% من مجمل حالات السكري- وهو متاح منذ عام 2017. ويختزل اسمه حاليًا فئة حُقَن خسارة الوزن بأكملها. وفي عام 2021، حصلت شركة نوفو نورديسك على الموافقة على عقار ويغوفي، الذي يحتوي المادة الفعالة نفسها الموجودة في أوزمبيك لكنه يوفر جرعة قصوى أعلى، بوصفه دواءً لعلاج السمنة. وخلال إعلانها للأرباح في نهاية عام 2022، نوهت شركة نوفو نورديسك إلى أنها حققت نموًا في السوق العالمي بنسبة 50%، وترافق ذلك مع كتابة أربعين ألف وصفة طبية تقريبًا كل أسبوع. 

يحاكي العقار هرمونًا يسمى الببتيد الشّبيه بالجلوكاجون-1 (GLP-1)، يعمل على تحفيز إنتاج الإنسولين ويثبط إنتاج الجلوكاجون، الذي يرفع معدل السكر في الدم. يفرز الجسم الـGLP-1 طبيعيًا بعد تناول الطعام، وينتقل الهرمون إلى الدماغ، مُحفزًا الشعور بالشبع. تولّد عقاقير GLP-1 شعورًا فعالًا بالشبع، كما تبطئ المعدل الذي تفرغ فيه المعدة الطعام؛ فيعبر المرضى عن تحررهم من الشَهو وعدم قدرتهم على الإفراط في تناول الطعام دون أن يصابوا بسوء. كتب أحدهم تعليقًا في مجموعة على موقع ريديت، تضم أشخاصًا يستخدمون السيماغلوتايد مؤخرًا، جاء فيه: «أنا مقتنع تمام الاقتناع بأن هذا [الدواء] حل بالأساس محل إشارة لطالما افتقدها جسدي طوال سني حياتي». وكتب عضو في مجموعة أخرى تُسمى «تخلص من الدهون»: «كل ما يمكنني قوله هو أنه لا عجب بأن يعتقد الأشخاص النحيلون بأن البدناء تعوزهم قوة الإرادة. فأدمغتهم ترسل لهم بالفعل إشارات ليتوقفوا عن التهام الطعام. لا علم لي بذلك». 

ينطوي السكري والسمنة على خلل أيْضيّ: يتسم السكري من النوع الثاني بمقاومة الأنسولين، وهي سمة تنزع إلى التطور كلما اكتسب الشخص دهونًا أكثر؛ فمقاومة الأنسولين تؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم، وهو ما يزيد بدوره خطر الإصابة بالسكتة الدماغية وأمراض القلب وتلف الأعصاب وغيرها من الأمراض. إضافة إلى ذلك، فإن السمنة ترتبط بارتفاع معدل الإصابة بالسرطان وانقطاع النفس النومي وأمراض الكبد، وغيرها. وبالنسبة للذين يعيشون حياةً محفوفةً بهذه المخاطر، قد تكون العقاقير الجديدة منحة إلهية لهم. أخبرني الدكتور كول بارفيلد، اختصاص الطب الباطني في ناشفيل، بأن «هذه الأدوية تمثل فتحًا غير مسبوق»، مُشيرًا إلى قدرتها على تحفيز فقدان كبير للوزن وكذلك خفض مستويات السكر في الدم بفعالية أكبر مقارنة بالعلاجات الأولية السابقة. وعلى النقيض من أدوية أخرى تستخدم في علاج هذه الحالات، فإن هذه العقاقير لا تجعل المرضى عرضة لخطر الإصابة بحوادث خطرة فيما يتعلق بالقلب والأوعية الدموية. 

ومع ذلك، يوجد لها مضاعفات. حيث بمقدور المضاعفات الأولية (الإسهال والتقيؤ والإمساك والدوار والغثيان) أن تكون كفيلة بإرسال المرضى إلى الطوارئ. كما قد يكون المرضى عرضة لتساقط الشعر الناجم عن الفقدان السريع للوزن لا من الدواء نفسه، والنتيجة شبيهة بالمظهر الهزيل الذي اصطلح على تسميته بـ«وجه أوزمبيك»، على نحو لا يخلو من الشماتة. وفي حالاتٍ نادرة، قد يصاب المرضى بالفشل الكلوي أو التهاب البنكرياس أو انسداد الأمعاء. وأضف إلى ذلك، فإن أدوية GLP-1 باهظة الثمن غالبًا ما تزيد تكلفتها شهريًا عن الألف دولار [في الولايات المتحدة]، وكثيرًا ما ترفض شركات التأمين تغطيتها. ومع ذلك، قبل نحو عامٍ، لاحظ بارفيلد توافد المرضى الذين يأتون لطلب أوزمبيك بالاسم: «أظن أن هذا كان على الأرجح حين بدأ الناس بنشر مقاطع تيكتوك تتعلق بالمشاهير الذين تعاطوا الدواء». 

بإمكاننا أن نتخيل عالمًا مختلفًا يكون فيه اكتشاف السيماغلوتايد خيرًا محضًا، حيث يمثل أداة قوةٍ ستفك عقدة الميول الجينية والقوى البيئية والسلوكيات التي تتآمر مجتمعة لإكساب المزيد والمزيد من الناس وزنًا أكبر. وبالتالي ننظر لعمليات الأيض والشهية بوصفهما حقائق بيولوجية لا خياراتٍ أخلاقية؛ حيث يمكن إرجاع نسبة الإصابة بالسكري النوع الثاني المتزايدة والسمنة حول العالم إلى الخَلْف والتغلب عليها. لكن في العالم الفعلي الذي نعيش فيه، فإن من هم في أمس الحاجة إلى السيماغلوتايد يعانون للحصول عليه، ومن الواضح أن ظهوره لم يدفع إلى إعادة النظر فيما يعنيه أن تكون سمينًا بقدر ما جدّد الهوس بالنحافة. 

«صُممت هذه الأدوية للحالات المزمنة والسمنة والسكري. وبالنسبة لأولئك الذين يتعايشون مع هذه الحالات، يبدو أن أوزمبيك قد خلق لهم مسارًا نحو علاقة صحية بينهم وبين الطعام. أما أولئك الذين لا يعانون من هذه الظروف، قد يكون الدواء بمثابة اضطراب أكل قابل للحقن»

دار النموذج الأفلاطوني للجسد الأنثوي، الذي ساد في الغرب خلال عصر النهضة ولقرونٍ بعد ذلك، حول فكرة التناسبية: بين البدانة التعبيرية لبيتر بول روبنس، والتموجات اللطيفة في لوحة ولادة فينوس لبوتيتشيلي. ثم جاءت الثورة الصناعية وخلقت أنماط حياة خاملة ومستقرة بشكل متزايد، توفر وصولًا سهلًا للطعام، ناهيك عن أحجام الملابس الموحدة. ثم ظهرت صناعة الحمية الغذائية: عُبئ مستخلص الغدة الدرقية في حبوب؛ كما وجدت «صالونات تخفيض» حيث تتمكن النساء من لف أجسادهنّ وعصرها بالآلات. قدّست مجلات النساء الفكرة القائلة بأن بياض الطبقة الراقية يمكن أن يعبّر عنه الجسد النحيل، وبالمقابل عبّرت عن ذعرها من السمنة والثقافات التي تقدرها. أشارت مقالة نُشرت في مجلة هاربر بازار (Harper’s Bazaar) عام 1897 إلى السمنة بوصفها «جريمة» و«تشوهًا»، مُحاججة بأن المرأة البدينة «لن تحوز نجاحًا اجتماعيًا ما لم تطلِ وجهها بالأسود وترتدي عقودًا من الخرز، ومن ثم تذهب إلى ذلك المناخ الحار حيث تُقيم النساء بالرطل، كما الخنازير».

لطالما قاوم الناس وصمة العار المرتبطة بالسمنة على الأقل منذ ستينيات القرن العشرين، غير أن الرغبة في بلوغ النحافة بأي وسيلة ظلت بالضرورة عقيدةً أساسية تقريبًا للتنشئة الاجتماعية للإناث. حين كنت يافعة، في التسعينيات التي اشتهرت ببزوغ مظهر الهيروين الأنيق (heroin-chic)، اشتهرت مواقع الإنترنت الموالية لفقدان الشهية؛ في أوائل الألفينات، كانت الفتيات يتقيئن أو يمارسن تمارين المعدة بهوس أو يتناولن الهيدروكسيكت سعيًا للحصول على عضلات معدة كتلك التي تملكها بريتني سبيرز. وخلال العقد الأول من هذا القرن، بينما كانت فتيات عائلة الكارداشيان يعرضن منحنيات أجسادهن بتباهٍ، كن يبعن منتجات شاي البطن المشدودة -المُليّنة- ومشدّات الخصر. والحال اليوم يمكن تلخيصه بالقول إن النساء الشابات الآن على بعد نقرةٍ واحدة فقط من استعراض لا ينتهي على وسائل التواصل الاجتماعي للأجساد المشتهاة. وجدت دراسة لجامعة هارفارد أن الانحياز الضمني ضد البدناء قد نما بالفعل من عام 2007 إلى عام 2016، وقد أبدا ما معدله 81% من الأشخاص ذلك بنهاية الدراسة. بينما تضاءلت كل التحيزات الضمنية الأخرى في الدراسة -المتعلقة بالعرق والنوع والميول الجنسية والعمر والإعاقة- خلال تلك الفترة.

يلعب الخوف الثقافي المرتبط بالسمنة دورًا رئيسيًا في المآلات السلبية المتعلقة بها. أفاد ما يقارب من ثلث الأطباء، في إحدى الدراسات، بأنهم ينظرون إلى البدينين من مرضاهم بوصفهم «قذرين» و«كُسالى»- وبالتالي فهم غالبًا ما يخطؤون في تشخيص البدناء أو لا يقدمون لهم الخدمات الطبية الكافية أو يُخجلونهم، وهو ما من شأنه أن يراكم بعد ذلك أسبابًا كافية لفقد الثقة في الرعاية الطبية. (في إحدى الحالات الجديرة بالذكر، ذهبت امرأة تبلغ من العمر 46 عامًا لرؤية أخصائي السمنة في جامعة جورج تاون، وهي تشكو من ضيق في التنفس؛ فأخبرها الطبيب أن عليها اتباع حمية غذائية. ليتضح أنها تعاني من تجلطات دموية تشكل خطرًا على حياتها). 

 

View this post on Instagram

 

A post shared by 7iber | حبر (@7iber)

ترتبط السمنة بالفقر كما أن السود والبالغين ذوي الأصول اللاتينية أكثر عرضة لأن يكونوا بدينين من أولئك البيض؛ يمكّن السلوك العام تجاه الأشخاص السمينين الناس من التعبير عن نفورهم من الفقراء والملونين بوصفه حرصًا أخلاقيًا. أحيانًا يُساء تأويل الاعتقاد بأن السمنة بحد ذاتها ليست قبيحة ولا منذرة بالخطر، بكل بساطة، بأنه استخفاف تام بالعلاقة بين الصحة وزيادة الوزن. ذهبت مؤخرًا لموعد مع طبيبة في مدينة مانهاتن، وتطرقت في حديثي معها إلى أنني أكتب عن أوزمبيك. وضعت الطبيبة سماعتها جانبًا واستدارت نحوي، وقالت على الفور «أتعلمين، أنا أحب ليزو [مغنية أفروأمريكية بدينة] غير أنه لأمر مخزٍ أن حركة إيجابية الجسد هذه برمتها جعلت العديد من الناس يعتقدون أن لا بأس بأن تكون بدينًا».

في حقيقة الأمر، قد يكون كلٌ من النحافة والسمنة ناتجين عن اضطراب الأكل. وكلاهما يشكلان خطرًا في حال المغالاة فيهما. شرع عالم فيسيولوجي يُدعى أنسيل كيز، عام 1958، بدراسة طويلة الأمد تشمل سبعة دول حول العلاقة بين الحمية الغذائية وصحة القلب؛ ووجد، لاحقًا عند تحليل البيانات، أن الأشخاص شديدي النحالة والأشخاص شديدي البدانة يواجهون مخاطر الإصابة بأمراض القلب بصورة أكبر. لكن مخاوف كيز تمحورت حول السمنة، الحالة التي أشار لها بكونها «مُقززة» و«مقيتة». كما أحيا ما يُسمى بمؤشر كوتليه (Quetelet Index)، الذي وضعه عالم الرياضيات البلجيكي أدولف كوتليه في القرن التاسع عشر، في محاولةٍ لتحديد كتلة الإنسان العادي إحصائيًا («نمط الكمال» كما أطلق عليه كوتليه بنفسه) وأطلق عليه اسمًا جديدًا: مؤشر كتلة الجسم. ليصبح مؤشر كتلة الجسم B.M.I.، في ثمانينيات القرن الماضي، الطريقة المعتمدة لتقييم صحة المرء من خلال وزنه. 

في يومنا هذا، يعدّ وزن المرء صحيًا في حال كان مؤشر كتلة الجسم له يتراوح بين 18 و24.9؛ وفي حال كان يتراوح بين 25 و30، فإن هذا الشخص ذو وزنٍ زائد؛ وعلاوة على ذلك، وإن كان أكثر من ذلك فهو يعاني من السمنة. لكن عينات كوتليه البحثية كانت مقتصرة فقط على الرجال الأوروبيين، وبالتالي فإن الصيغة التي أوجدتها أقل دقة في الإبانة عن صحة النساء أو السود أو ذوي الأصول اللاتينية أو الآسيويين. وبصفة عامة، يفترض المؤشر ارتباطًا سببيًا وثيقًا بين الوزن والصحة لا وجود له حقيقةً. فحصت دراسة حديثة مؤشرات كتلة الجسم لعينة من الأشخاص وعلاقتها بضغط الدم ومستويات الكوليسترول ومقاومة الإنسولين لديهم، ليجدوا بأن ما يقرب من ثلث الأشخاص ذوي المؤشرات «الطبيعية» لكتلة الجسم يعانون من مؤشرات أيضية غير صحية، وما يقرب من نصف أولئك ذوي الوزن الزائد نظريًا كانوا أصحاء من الناحية الأيضية. وما يقارب من ربع أولئك المصنفين في خانة السمنة كانوا يتمتعون بصحة جيدة أيضًا. 

باستطاعة الجسد بصفة عامة إرسال إشارات إلى الدماغ حين يكون لديه ما يكفي من الطعام. بيد أن هذا النظام قد يكون معيبًا أو به أذى. أخبرني الدكتور لويس أرون، مدير المركز الشامل للتحكم بالوزن في كلية طب ويل كورنيل، بأن «أحد أهم الأمور المرتبطة بالسمنة، والأمر الذي يعجز أغلب الناس عن إدراكه، هو أنه خلال صيرورة اكتساب الوزن، تتضرر الدوائر العصبية المنظمة للوزن في الدماغ». (وأرون شأنه شأن العديد غيره من ممارسي طب السمنة البارزين، أُستشير في التجارب التي أجرتها نوفو نورديسك). واستطرد قائلًا «تظهر علامات الالتهاب والأذى فيما تحت المهاد»، موضحًا أن النظرية السائدة، هي أن «تناول كميات كبيرة من السعرات الحرارية بوتيرة سريعة للغاية تتلف الأعصاب التي تستجيب للهرمونات المتحكمة بوزن الجسم». 

اللبتين هو أحد هذه الهرمونات، ويُفرز بواسطة الخلايا الدهنية في الجسم، ويُرسل إشارات للدماغ بأن الوقت قد حان للتوقف عن تناول الطعام. لكن، في حال اكتسبت دهونًا أكثر، فإن وفرة إفراز اللبتين تفقد الجسد حساسيته تجاهه، مما يجعل دماغك يعتقد بالخطأ أنك تتضور جوعًا. «يحاول جسدك إعادة توازن النظام عبر إبطاء عملية الأيض وزيادة الشهية»، يقول أرون. وبعد أن يكتسب المرء الوزن الكافي لدخول دائرة التوجيه الأيضي الخاطئ هذه، حينها يصبح من المستحيل تقريبًا فقدان هذا الوزن والبقاء خارج هذه الدائرة على المدى الطويل ببساطة من خلال اتباع حمية غذائية وممارسة الرياضة. (بمقدور ما يقارب من 5% من الأشخاص فعل ذلك). تعقبت دراسة معروفة المتسابقين في «الخاسر الأكبر»، برنامج مسابقة إنقاص الوزن، ووجدت أن عمليات الأيض للمتسابقين قد بطؤت بصورة حادة للغاية بعد خسارتهم لوزنهم، لذا استعاد جميعهم تقريبًا الوزن الذي خسروه. لنجد أن أحد المتسابقين، الذي خسر 108 كيلوغرامات على نحوٍ مذهل، سرعان ما استعاد 45 كيلوغرامًا منها، ومن ثم بدأ في اكتساب المزيد من الوزن كلما تناول ما يزيد عن 800 سعرة حرارية وهي كمية أقل من المتوسط الموصى به لرجلٍ في حجمه.

تقول جمال كورونا، وهي أم أمريكية مكسيكية لطفلين تبلغ من العمر 37 عامًا مقيمة في إلينوي: «لا أحد نحيل في عائلتي، أجسادنا ليست مبنية على هذا النحو». أخبرتني بأنها كانت تعاني من زيادة الوزن جلّ حياتها؛ فقد كانت ترتدي قياس 12 وهي في الصف السادس. «لم تكن علاقتي بالطعام سيئة على الإطلاق، لطالما تدبرت أمري». خلال سنواتها الجامعية، كانت تأكل الكمية ذاتها التي تتناولها الفتيات اللواتي عاشت معهن في سكن الطالبات، لكنها كانت أكبر حجمًا منهن، وزاد وزنها. لاحقًا، حين حملت، أُصيبت بسكري الحمل. (السكري منتشر في عائلتها، حيث يعاني معظم عماتها وأعمامها من السكري النوع الثاني). وخلال حملها الثاني، توجب عليها أن تحقن نفسها يوميًا بالإنسولين؛ إذ إن معدلات سكر الدم لديها «استمرت في الارتفاع أكثر فأكثر». وبعد أن وضعت حملها، زاد وزنها 18 كيلوغرامًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد الولادة. فاقترح عليها أخصائي الغدد الصماء أن تأخذ حقن ويغوفي. «كنت أمام أمرين، إما أن أُجرب هذا الدواء، أو أُراجع الطبيب بعد ستة أشهر وربما أعود للأنسولين مرةً أخرى». 

حين شرعت كورونا بأخذ ويغوفي، كانت الآثار الجانبية شنيعة: تعب وغثيان وأشهر من الأرق الشديد. فانضمت لمجموعة دعم على فيسبوك، حيث نصحها الأعضاء بأن الأطعمة المُعالجة أو المقلية أو التي تحتوي نسبة عالية من الكربوهيدرات أو السكر تميل إلى إلى جعل الأشخاص الخاضعين لأدوية GLP-1 أكثر عرضة للشعور بالتعب. أخبرتني كورونا «في حال جربت تناول طبق كاملٍ من البوريتو في مطعم تشيبوتلي، فإنني سأشعر بتعبٍ جسدي سيدفعني إلى التغيب عن العمل». لم يعد بإمكانها السيطرة على تناولها للكحول، وبالمقابل لم يكن لديها رغبة كبيرة في تجرعه، وهو ما يعدّ أحد الأعراض الجانبية الأخرى للدواء. قالت «في أحد الأيام ذهبنا لحانة وتناولت ثلاث زجاجاتٍ من البيرة خلال أربعة ساعات، كنت أتقيأ بعد ذلك، كنت ثملة كما لو أنني شربت برميلًا كاملًا. لذا قررت أنني لن أشرب البيرة مرة أخرى أبدًا». (وفقًا للروايات المُتناقلة، فقد أفاد الأطباء والمرضى بأن هذه الأدوية يمكنها تقليل السلوكيات التي تسعى لرفع مستوى الدوبامين، بما في ذلك التسوق عبر الإنترنت). شرعت بعدها بممارسة المشي والجري، وهو ما لم يكن باستطاعتها القيام به حين كان وزنها أكبر، وباتت تذهب للنادي الرياضي يوميًا، ليكون هذا أول ما تقوم به صباحًا. وفي الوقت الذي تقابلنا فيه وتحدثنا، كان قد مضى على أخذها دواء ويغوفي سنة، كانت قد خسرت 23 كيلوغرامًا من وزنها. لتخبرني بأنها تشعر أنها شخصٌ مختلفٌ تمامًا، نشط ومفعم بالحيوية. 

قالت: «لنكن صادقين، لم أكن صحيحة البدن حين كان وزني يزيد عن مئة كيلوغرام، بطول 162 سنتيمترًا». لقد كانت بحاجة إلى شيء يرجعها إلى حالة من التوازن، ويبدو أن السيماغلوتايد قد تكفل بذلك. «في حال تجاوزنا اعتباره عنوانًا لقصة رحلة المشاهير في خسارة الوزن، ونظرنا لما هو عليه فعلًا، سنجد أنه حدث سيحدث ثورة. قد يتحول مستقبلًا ليصبح شبيهًا بتناول الفيتامينات. وسيأخذه الجميع»، تقول. 

تمتلك شركتا إيلي ليلي ونوفو نورديسك معًا ما لا يقل عن 12 دواءً إضافيًا للسمنة قيد التطوير. وبحسب ما ورد، أنفقت شركة نوفو نورديسك حوالي مئة مليون دولار من أجل تسويق أوزمبيك العام الماضي، وتنفق الشركتان ما يقارب العشرة ملايين دولار سنويًا من أجل الضغط على صناع القرار في الولايات المتحدة. التركيز الأساسي لهذا الضغط ينصب على قانون علاج وتقليل السمنة المقترح، والذي يتم تقديمه في جلسات الكونغرس سنويًا منذ عام 2012 ، والذي يتطلب من برنامج ميديكير للتأمين الصحي تغطية أدوية إدارة الوزن المزمنة، من بين عدة علاجات.

وفقًا لتوقع إقرار لهذا القانون في غضون السنوات القليلة المقبلة، توقعت مؤسسة مورغان ستانلي المصرفية أن تتضاعف عائدات الولايات المتحدة من هذه الأدوية 400 ضعف بحلول نهاية العقد. «من المتوقع أن تصبح أدوية السمنة فئة الأدوية الرائجة المقبلة»، قالت المؤسسة في تقريرٍ العام الماضي، توقع أيضًا أن وسائل التواصل الاجتماعي والأحاديث المتداولة ستخلق «حالة من الجدل المطرد والقوي» حول الأدوية الجديدة، حيث إن ربع الأشخاص المصابين بالسمنة سوف يسعون للحصول على العلاج من الأطباء، بعد أن بلغت النسبة الحالية 7%، وسيبدأ أكثر من نصف أولئك الذين يسعون للحصول على العلاج في تناول الدواء. في آذار، استحوذت شركة ويت ووتشرز على شركة سيكوينس المتخصصة في خسارة الوزن في مجال الصحة عن بُعد، والمتخصصة أيضًا في وصف أدوية GLP-1.

بإمكاننا أن نتخيل عالمًا مختلفًا يكون فيه اكتشاف السيماغلوتايد خيرًا محضًا، لكن الواقع اليوم أن من هم في أمس الحاجة إلى الدواء يعانون للحصول عليه، ومن الواضح أن ظهوره لم يدفع إلى إعادة النظر فيما يعنيه أن تكون سمينًا بقدر ما جدّد الهوس بالنحافة. 

من المثير للجدل أن جمعية طب الأطفال الأمريكية أدرجت مؤخرًا أدوية إنقاص الوزن وجراحة السمنة كجزء من مجموعة من العلاجات التي يجب على الأطباء أخذها بعين الاعتبار لدى للأطفال المصابين بالسمنة. (جراحة علاج السمنة التي كانت في السابق هي التدخل الطبي الوحيد الذي أدى إلى فقدان الوزن بشكل دائم لدى نسبة ليست بقليلة من الأشخاص، أحد أسباب فاعليتها هو أنها تزيد أيضًا من مستويات GLP-1، وتحدث هذه الزيادة قبل حدوث أي فقدان للوزن). تُظهر التجارب السريرية بأن المرضى الذين توقفوا عن تناول أدوية GLP-1 يستعيدون الكثير من وزنهم المفقود في غضون عام. سألت الدكتور أرون، من جامعة ويل كورنيل، عن العواقب الطبية المحتملة للاستخدام غير المنتظم مدى الحياة، والذي يبدو أنه النتيجة المحتملة للكثير من المرضى، وخاصة أولئك الذين يتم وصف الأدوية لهم في سن مبكرة. قال: «هذا سؤال رائع ، وليس لدينا إجابة». واقترح أن الأطباء قد يبدؤون بعلاج السمنة بالطريقة التي يعالجون بها ارتفاع ضغط الدم. قال: «يمكنك أن تبدأ بوصف جرعة صغيرة في الأسبوع للمرضى، ولن يصلوا أبدًا إلى مرحلة يعانون فيها من مشاكل كارثية». سيظل المرضى بحاجة إلى فحوصات الدم المنتظمة والمتابعة؛ حيث من المحتمل أن تظهر مخاطر ومضاعفات جديدة مع دخول هذه الأدوية حيز الاستخدام لدى عدد أكبر من المرضى من أي وقت مضى. لكن بالنسبة إلى أرون الذي عالج المرضى الذين يعانون من مضاعفات صحية خطيرة تتعلق بالوزن لمدة ثلاثين عامًا، فإن تناول دواء ويغوفي مدى الحياة يبدو أقل خطورة بكثير من المعاناة مدى الحياة من السمنة المفرطة.

أخبرت أرون بالتساؤل الذي يشغلني حول المدى الذي بلغته الإثارة حول هذه الفئة الجديدة من الأدوية إذ أصبحت هذه الحالة الواسعة من الإثارة أمرًا مفروغًا منه إلى حدٍ ما. تتردى العديد من المشاكل الصحية المرتبطة بالسمنة نتيجةً للظروف التي يمكن تحسينها عبر السياسة، وذلك برفع الحد الأدنى للأجور بما يكفي لتحمل الأشخاص تكلفة الحصول على المنتجات الطازجة والبروتين عالي الجودة، وعبر الاستثمار في الإسكان والمساحات المجتمعية التي تفضي إلى الشعور بالاستجمام، وعبر وضع حدٍ لمليارات الدولارات المُنفقة على الإعانات الزراعية التي تذهب للمواد المضافة للوجبات السريعة، مثل شراب الذرة عالي الفركتوز. قال أرون إن «هذه الأمور كفيلة بتلافي السمنة، لا معالجتها. الأمر أشبه بمحاولة معالجة سرطان الرئة عبر برنامج للإقلاع عن التدخين». هذه هي النقطة التي حاولت إيضاحها، أي لدينا حل فردي، لكننا بحاجة لآخر جمعي أيضًا. 

لم تعد العمري، أخصائية التغذية الشهيرة على إنستغرام، تأخذ السيماغلوتايد المُرَكب، الذي كانت تأخذه بغية التخلص من بعض الأرطال التي كسبتها خلال الجائحة. لقد كانت متفائلة بشأن قدرتها على المحافظة على وزنها، كما كانت تفعل سابقًا بالعادة. لكن، وكما ظللت أذكر أصدقائي الذين أثار أوزمبيك فضولهم، صُممت هذه الأدوية للحالات المزمنة والسمنة والسكري. وبالنسبة لأولئك الذين يتعايشون مع هذه الحالات، يبدو أن أوزمبيك قد خلق لهم مسارًا نحو علاقة صحية بينهم وبين الطعام. أما أولئك الذين لا يعانون من هذه الظروف، قد يكون الدواء بمثابة اضطراب أكل قابل للحقن. وكما توضح الآثار الجانبية، فإن قلب عملية الأيض في جسدك جذريًا ليس أمرًا عاديًا، كما أننا لا نملك بيانات واسعة النطاق تتعلق بسلامة هذه الأدوية عند تناولها من قبل أشخاصٍ معنيين بالأساس بمعالجة حالة مزمنة أخرى، أي الرغبة في أن يكون نحيلًا. 

 يقول جوناثان كابلان، مشرف برنامج إنقاص الوزن في عيادة باسيفيك هايتس للجراحة التجميلية في سان فرانسيسكو، إن الكثير من الناس سيبدأون في أخذ عقاقير GLP-1 قريبًا. يضيف كابلان، المعروف على تيك توك بـRealDrBae، إنه لا يقصد الأشخاص النحيفين الراغبين بأن يكونوا أشد نحافة، بل البدينين الذين عانوا من انعدام الراحة والعوائق والضغط الاجتماعي طوال حياتهم، والذين قد يكونوا شعروا مؤخرًا بالتشجيع الذي يدفعهم لتقبل أوزانهم الكبيرة، متوقعًا أن يُحدث عصر أوزمبيك حدًا لكل هذا. «لن يقبلوا بعد الآن حقيقة أنه ينبغي عليهم أن يكونوا سعداء بالجسد يملكونه فحسب».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية