في أردن القرن الحادي والعشرين، الحكومة ترفض ترخيص حزب لأن غالبية أعضائه سود البشرة

الخميس 06 تموز 2017
علي الجازي، أحد مؤسسي حزب التجمّع المدني الأردني.

عندما بدأت قبل سنتين إجراءات ترخيص حزب التجمع المدني الأردني، تسرب إلى مؤسسيه، كما يقول أحدهم، وهو المهندس علي الجازي، أن اللجنة المعنية بالترخيص في وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية لفت نظرها أن الثلاثة المفوضين بتقديم الطلب كانوا «سود البشرة»، وأن غالبية الأعضاء من الهيئة التأسيسية، كما هو واضح من صور الهويات المرفقة مع الطلب، هم أيضًا من السود. وهو أمر أثار، كما أفادت التسريبات، تساؤلات أعضاء اللجنة.

سريعًا تأكدت الأقاويل، كما قال الجازي لـ«حبر»، عندما تلقى اتصالًا من موظف مسؤول في الوزارة يسدي إليه «نصيحة» هي أن يوضع بين الثلاثة المفوضين بتقديم الطلب أشخاص من غير السود، وذلك لضمان ألا يكون هناك اعتراضات من اللجنة، كما ينقل الجازي عن الموظف. وهذا حدث فعلًا، فـ«حُذف» اثنان من مقدمي الطلب الأصليين، ووُضع بدلًا منهما اثنان آخران من غير السود. لكن الوزارة، بحسب الجازي، تراجعت بعدها عن طلبها هذا، وأبلغتهم أنها قبلت الطلب بصيغته الأولى.

إلى هنا، سيبدو ما سبق مجرد اجتهاد شخصي من موظف، تمّ التراجع عنه، إذ لم يسجل في تاريخ الدولة الأردنية، على أي حكومة أنها «فتّشت» على ألوان بشرة مقدمي طلبات ترخيص الأحزاب وأعضائها المؤسسين قبل منحهم الترخيص، ولا سجّل عليها أنها رفضت ترخيص أي حزب لأن أغلبية أعضائه ينتمون إلى لون معين. لكن تتالي الأحداث بعدها، أثبت أن الأمر لم يكن «زلّة» فردية، بل رؤية حكومية أقرّتها أربع وزارات هي «الشؤون السياسية والبرلمانية»، «الداخلية»، «العدل» و«الثقافة»، هي الوزارات التي وقّع ممثلوها يوم 27 نيسان (أبريل) 2016 على قرار رفض ترخيص الحزب بسبب لون بشرة أعضائه. بل وشاركهم في التوقيع مؤسسات المجتمع المدني، التي مثّلتها في اللجنة الرئيسة السابقة لاتحاد المرأة الأردنية، في حين «تحفّظ» على القرار (وإن لم يرفض التوقيع) ممثل المركز الوطني لحقوق الإنسان.

وعندما حمل مؤسسو الحزب قضيتهم إلى المحكمة الإدارية، وحصلوا منها يوم 29 كانون الثاني (يناير) الماضي، على حكم بإبطال قرار رفض ترخيصهم، واعتبارهم حزبًا مرخصًا، لم تستسلم لجنة شؤون الأحزاب السياسية، فطعنت في هذا القرار لدى المحكمة الإدارية العليا، التي أصدرت يوم 23 أيار (مايو) الماضي، قرارًا بقبول الطعن، وإنفاذ القرار الأول بعدم ترخيص الحزب، والسبب، بحسب نص قرار «العليا» أن طلب الترخيص كان مقدمًا «من أعضاء ينتمون إلى فئة محددة (ذوي البشرة السوداء)».

قرار المحكمة الإدارية

قرار المحكمة الإدارية العليا

النظام الداخلي للحزب

إشارة قرار «الإدارية العليا» إلى لون بشرة مؤسسي الحزب بوصفه موضوع النزاع في هذه القضية، كان الإشارة الرسمية الأولى المباشرة. فقد كان واضحًا منذ البداية، أن اللجنة كانت حريصة على ألا تنزلق إلى إثارة موضوع اللون علانية، لهذا ظلّت تنكر أن يكون له أي علاقة بقرارها رفض ترخيص الحزب. وقد خرج وزير الشؤون السياسية والبرلمانية آنذاك، يوسف الشواربة، يقول إن هذا الاتهام مبني فقط على تصريحات أطلقها المؤسسون في وسائل الإعلام. مؤكدًا أن «الأسباب التي ذكرت لم تصدر عن الوزارة بل عن مقدمي الطلب والإعلام استمع إلى رأيهم ولم يؤخذ قرار بسبب اللون».

إشارة قرار «الإدارية العليا» إلى لون بشرة مؤسسي الحزب بوصفه موضوع النزاع في هذه القضية، كان الإشارة الرسمية الأولى المباشرة. 

لم تشر لجنة شؤون الأحزاب السياسية إلى مسألة اللون في قرار رفض الترخيص الذي أصدرته في نيسان 2016، فاكتفت بالقول إن الرفض سببه مخالفة المؤسسين المادة 5، الفقرة ب من قانون الأحزاب السياسية 2015، التي تنص على أنه يمنع تشكيل الأحزاب «على أساس ديني أو طائفي أو عرقي أو فئوي أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل»، من دون أن توضّح أين خالف المؤسسون هذه الفقرة. بمعنى ان القرار لم يوضح ما هو الأساس الذي تشكّل عليه هذا الحزب، والذي شكّل خرقًا لهذه المادة. وهذا يخالف، كما قالت لـ«حبر» الدكتورة شذى العساف، التي تحمل درجة الدكتوراه في القانون الدستوري والإداري، المادة (14\ب) من القانون ذاته، التي «توجب» على اللجنة «أن تسبّب قرارها، وأن تبلغه إلى ممثل المؤسسين». الأمر الذي لم يحدث.

وترى العساف، التي تعمل محاضرة غير متفرغة في كلية الحقوق في جامعة البترا، أن«العبرة في تقرير ما إذا كان تأسيس الحزب على أساس ديني أو طائفي أو عرقي أو فئوي، أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل، إنما يكون من خلال أهداف الحزب وشروط العضوية فيه، وليست في انتماء مقدمي طلب الحزب إلى فئة معينة».

هذا يعني، كما توضح العساف، أنه حتى لو كان جميع الأعضاء المؤسسين المتقدمين بطلب ترخيص حزب ما من فئة واحدة، ليكن من دين أو عرق أو طائفة أو جنس محدد، فإن هذا لا يعطي لجنة شؤون الأحزاب السياسية الحق في رفض الترخيص، إلا إذا كان هناك نص صريح في شروط العضوية على أنه لا يقبل في العضوية إلا المنتمين إلى هذه الفئة، أو أن يكون هناك نص تمييزي في أهداف الحزب ومبادئه. وهذا لا ينطبق، بحسبها، على هذا الحزب، الذي كان من بين أهدافه «تحقيق المساواة بين المواطنين»، كما أن شروط العضوية فيه فتحت باب الانتساب أمام الأردنيين، بقطع النظر عن انتمائهم إلى دين أو طائفة أو عرق أو فئة.

طرح العساف ينسجم مع قرار المحكمة الإدارية الذي ألغى قرار لجنة شؤون الأحزاب السياسية بعدم ترخيص الحزب، ولفت إلى أن اللجنة التي قالت إن الحزب خالف المادة 5 من قانون الأحزاب «لم تقدم أي بينة» على ذلك. فالحزب، بحسب قرار هذه المحكمة «لا يتعارض في مبادئه وأهدافه وبرامجه وسياساته مع أحكام الدستور»، كما أنه «في اختيار قياداته وأعضائه لا يقوم على أساس طبقي أو طائفي أو فئوى أو جغرافي على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة أو اللون».

أعضاء الحزب لم يكونوا حتى من لون واحد، ليثور هذا النزاع من أصله، إذ يؤكد الجازي أن عدد أعضاء الهيئة التأسيسية، في الوثائق المقدمة لوزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، هو 192 عضوا، 73 عضوا منهم من غير سود البشرة. إضافة إلى تحقق شروط التنوع المنصوص عليها قانونًا، فالأعضاء، كما يقول الجازي، من الجنسين، ويمثلون ثماني محافظات، وهم من مختلف الأصول والشرائح الاجتماعية والمستويات التعليمية، ولا يجمعهم أي شكل من أشكال الفئوية.

لماذا لم يسبق لأي حكومة أن انتابها هذا الهاجس وغير السود يمثلون أغلبية في جميع الأحزاب الأردنية، في حين أصبح لديها مشكلة عندما أصبح السود، لأول مرة، أغلبية في حزب ما؟

ومع ذلك، تصر وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية على لسان مستشارها الإعلامي، سامي محاسنة، أن تركيبة أعضاء الحزب المذكور من حيث اللون، شكلت مخالفة للمادة 5 من قانون الأحزاب.

محاسنة، الذي أكّد لـ«حبر» أن لون أعضاء الهيئة التأسيسية قد أثار فعلًا تساؤلات داخل اللجنة المعنية منذ لحظة تقديم الطلب، دافع عن قرار عدم الترخيص موضحًا أن الوزارة تؤمن أن الهدف من فكرة الأحزاب هي «توحيد المجتمع على قاعدة المواطنة»، وأن يكون الحزب «هو البوتقة التي ينصهر فيها المجتمع (…) وخطوة نحو الدولة المدنية». أما إذا كان تشكيل الحزب «بناء على الشكل أو الجنس أو العرق أو اللون، فإن الحزب يصبح مكون اجتماعي مثل العشيرة، في حين أن الحزب يجب أن يكون مكون سياسي». وبذلك، فإن هدف قرار الوزارة، كما يقول محاسنة، هو الحفاظ على نسيج المجتمع الأردني الذي يتميز بأنه مجتمع متماسك اجتماعيًا»، إذ خشيت الوزارة، بحسبه، أن يكون «تأسيس الحزب على هذا الأساس [اللون] سابقة»، وأن يصبح هذا الشكل من الأحزاب «ظاهرة» تؤدي إلى «تقسيم المجتمع».

السؤال المطروح هنا، لماذا لم يسبق لأي حكومة أن انتابها هذا الهاجس وغير السود يمثلون أغلبية في جميع الأحزاب الأردنية، في حين أصبح لديها مشكلة عندما أصبح السود، لأول مرة، أغلبية في حزب ما؟. وهل يعكس هذا سلوكًا «عنصريًا» من قبل الحكومة؟

هذا يرمي الكرة في ملعب مؤسسات المجتمع المدني الذي تبدو ردّة فعلها في هذه القضية صادمة. وذلك لأن ممثلة مؤسسات المجتمع المدني في لجنة شؤون الأحزاب في وزارة الشؤون السياسية، الدكتورة آمنة الزعبي، كانت من بين الموقعين على قرار رفض الترخيص. وفي الوقت الذي كان فيه وزير الشؤون السياسية ينفي فيه أن يكون للون أي علاقة بقرار الرفض، أطلقت الزعبي في الإعلام تصريحات «جريئة» تقرّ فيها بأن «اللون الأسود» لمقدمي الطلب كان السبب. فقالت لصحيفة الأنباط إن السبب هو أن «معظم المؤسسين الذين تقدموا بطلب لتشكيل الحزب من أصحاب البشرة السوداء». وأضافت للصحيفة أن اللجنة طلبت من المؤسسين تبديل بعض الأسماء «حتى يكون في الحزب تعددية (…) وكان على المؤسسين الامتثال للقانون وتغيير الكفالة العدلية وبعض الأسماء». وأكملت أن «الحزب خالف هذه القاعدة [المادة 5] كون الجميع حاول أن يكون من البشرة السوداء وبهذا حاولوا تمييز أنفسهم».

ما يثير التساؤل بخصوص تصريحات الزعبي، هو أن مؤسسي الحزب يؤكدون أنهم كانوا قد استجابوا لجميع التعديلات التي طلبتها لجنة شؤون الأحزاب، ووفق الجازي، فقد أرفقوا وثائق تثبت ذلك عندما طعنوا بقرار رفض الترخيص لدى المحكمة الإدارية. ومن بين التعديلات وضع أشخاص من غير السود مكان أشخاص من السود ضمن قائمة الثلاثة المفوضين بتقديم طلب الترخيص. وهو طلب، يقول محامي «التجمع المدني الأردني» سلامة ارتيمة لـ«حبر»، «ليس له أساس في القانون ولا عشائريًا ولا عرفًا ولا منطقًا ولا أخلاقًا». ويتساءل عن الحكمة من ذلك: «شو يعني ما بيطلعلهم؟ [أن يقدموا طلب ترخيص حزب] مفروض يكون عليهم وصاية؟».

إنه طلب يعكس، كما قالت النائب السابق، رولا الحروب لـ«حبر»، تخوف الوزارة من أن هناك شبهة انتهاك للمادة 5 من قانون الأحزاب. لكن هذا التخوف كما تقول الحروب «لا مبرر له (…) وليس تفسيًرا سليمًا لنص المادة على الإطلاق».

وتضرب الحروب في هذا السياق مثال حزب جبهة العمل الإسلامي، ففي وقت يمنع القانون تأسيس حزب على أساس الدين، ضمّ هذا الحزب إلى صفوفه بضعة أعضاء من المسيحيين، ليضفي، كما تقول، تنوعًا دينيًا عليه، لكن الغالبية الساحقة من أعضائه مسلمون «فهل نستطيع نسف حزب الجبهة استنادًا إلى هذه المادة باعتباره حزبًا دينيًا؟».

الصوت الآخر الممثل للمجتمع المدني في اللجنة كان المركز الوطني لحقوق الإنسان، الذي وقع ممثله، عيسى المرازيق، القرار، لكن مع «التحفظ» عليه. المرازيق رفض في اتصال مع «حبر» التعليق على قرار اللجنة، وقال إنه رغم أنه عبّر عن موقفه بالتحفظ على القرار، لكن طبيعة «العمل المؤسسي» تقتضي منه «تبني» القرار، وعدم قول «أي شيء يخرج عن إطار اللجنة». ووفق المرازيق، فإن موقف المركز يقف عند هذا التحفظ، ولن يكون هناك أي تداعيات له.

وفق ارتيمة، فإنه بصدور قرار «الإدارية العليا» تكون الخيارات القانونية المحلية قد استُنفذت، وهناك الآن خيار التوجه إلى جهات حقوقية خارج البلاد.

الاستنجاد بجهات دولية، لم يكن، وفق الجازي، مطروحًا لدى المؤسسين عندما بدأت معركة ترخيص الحزب. ويقول إنه عندما صدر قرار رفض الترخيص في نيسان العام الماضي، لم يكن هناك حتى نية للطعن في القرار لدى المحكمة الإدارية، لأن هذا، كما قال، كان سيثبت هذا القرار «التمييزي»، ويكون «نقطة سوداء في سجل الدولة الأردنية». بدلًا من ذلك، طالب المؤسسون، بحسب الجازي، وزارة الشؤون السياسية، بالاعتذار والعودة عن قرارها رفض ترخيص الحزب. الأمر الذي رفضته الوزارة كما يقول، فاضطر المؤسسون، بعد طول انتظار، إلى استخدام حقهم في الطعن، قبل أسبوع فقط من انقضاء المدة القانونية، التي مدتها شهران.

في وقت يؤكد فيه خبراء قانونيون، كما هو واضح مما سبق، سلامة الموقف القانوني لـ«التجمع المدني الأردني» طالما أن النظام الأساسي للحزب لا يشترط لعضويته الانتماء لفئة معيّنة، فإن السؤال المطروح يتعلق بمدى انسجام رفض لجنة شؤون الأحزاب السياسية منحه الترخيص، مع المواثيق المحلية والدولية، ومنها الدستورالأردني الذي نصّت الفقرة 2 من المادة 16 فيه على حق الأردنيين في «تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور».

كذلك تنص المادتان 1 و2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة على حق الأفراد في «حرية تكوين الجمعيات مع آخرين»، وعدم جواز وضع «القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون».

هذا إضافة إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تنص المادة 5 فيها على أن «الحق في حرية الاجتماع السلمي وتكوين الجمعيات السلمية ﺃﻭ ﺍﻻﻨﺘﻤﺎﺀ إليها» هو أحد الحقوق التي يجب ضمانها لـ«كل إنسان، من دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الإثني».


تنويه: أضفنا رابط النظام الداخلي للحزب إجابة على سؤال عدد من المعلّقين/ات. في نسخة سابقة من هذا المقال صرّح محامي القضية أن هناك نيّة لدى المؤسسين بالتوجه إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي بعد استنفاذ خياراتهم القانونية المحلية، وقد اتضح أن محكمة العدل الدوليّة ليست الجهة المختصة بمثل هذا النوع من القضايا فعدّل الاقتباس على هذا الأساس.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية